الخامس : موقفه في السلوك والرجوع إلى الغايات ، وهو موقف قد واكبت فيه الفلسفة الصدرائية معطيات الشريعة الحقّة مواكبة تامّة لم تشذّ عن تعاليمها إلاّ بذلك القدر الذي يلازم قصور الذهن البشري غير المعصوم [1] . ولكن هذا لا يعني أنّ هذه المدرسة كانت موفّقة في كلّ النتائج التي انتهت إليها ، وإن كانت أكثر المدارس والاتّجاهات الفلسفية توفيقاً في هذا المجال . وأمّا فيما يتعلّق بالتساؤل الثاني ، فيمكن أن يقال : إنّ ما أنتجه العقل الفلسفي في مدرسة الحكمة المتعالية ، يعدّ أروع منتوج وأبدع منسوج للعقل البشري ، ولكنّ الحقيقة التي يبحث عنها الإنسان هي أرفع مما يحلّق إليه طائر الذهن البشري ، وعلى هذا الأساس لا بدّ أن نفهم أنّ ما انتهى إليه الشيرازي في مدرسته لا يعبّر عن نهاية المرحلة التي بدأ عمله فيها ، وإنّما يمكن عدّ ذلك بداية الطريق ، فينبغي لنا أن نؤدّي مسؤوليتنا ونكمل ما ابتدأه ، فهو وإن ابتدأ طريقة الحكمة المتعالية لكن هذا لا يعني أنّه أكمل الطريق وأعطى صورة تامّة ونهائية في ذلك . وهكذا كانت سنّة الله في القرون الخالية ، وستجري أيضاً في العصور الآتية ؛ إذ لم يقتصر شي من سنّة الله على فرد أو أُمّة معيّنة : * ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) * [2] . وإلى هذا المعنى يشير صدر الدين ، بقوله : « وإنّي أيضاً لا أزعم أنّي قد بلغت الغاية فيما أوردته كلاًّ ، فإنّ وجوه الفهم لا تنحصر فيما فهمت ولا تحصى ، ومعارف الحقّ لا تتقيّد بما رسمت ولا تحوى ، لأنّ الحقّ أوسع من أن يحيط به عقل وحدّ ، وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد » [3] .
[1] مفاتيح الغيب ، مصدر سابق ، المقدمة : ص نب . [2] الحجر : 21 . [3] الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، مصدر سابق : ج 1 ص 10 .