شرحه العميق لكتاب « أصول الكافي » . إنّ هذه الخبرة الواسعة في الآراء الدينية أعانته كثيراً على بناء صرح فلسفته الجبّارة ، حيث اتّخذها بمثابة أصول عقلية يقينية ، ففرّع عليها نتائج أساسية وعميقة . والسبب الذي جعله يتعامل مع المعطيات الدينية القطعية كقضايا عقلية يقينية هو أنّ هذه المعطيات « بصفتها صادرة عن مبدأ العقل والوجود والحجج المعصومين عن الخطأ والزلل هي قضايا يقينية وضرورية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، وبهذا العنصر الغني - الذي أدخله الشيرازي في فلسفته - استجدّت الفلسفة تطوّرها بقفزات جبّارة وأثمرت عدداً كبيراً من المسائل الجديدة التي لم تكن تعهدها الفلسفات السابقة في الإغريق والفرس ولا في غيرهما من معاهد الفلسفة والحضارة ، فبلغت مسائل الفلسفة الإسلامية الحديثة عدداً كبيراً يثير الإعجاب » [1] ، فبعد أن كانت المسائل الفلسفية في العصر اليوناني لا تتجاوز ( 200 ) مسألة بلغت على يد الفلسفة التي أشادها صدر المتألّهين ( 700 ) مسألة ( 2 ) . فتضاءلت عند بريقها ولمعانها أضواء الفلسفات الغابرة ، كما تتضاءل النجوم في مشهد ضوء الشمس . إذن فالنقطة المحورية الثانية في فلسفة صدر المتألّهين هي اعتقاده بتطابق الشرع والعقل في جميع المسائل الحكمية . وعلى هذا الأساس قال في « الأسفار الأربعة » : « كلّ ما أزيل ظاهره عن الإحالة والامتناع ، قام التنزيل الإلهي والأخبار النبويّة الصادرة عن قائل مقدّس عن شوب الغلط والكذب ، مقام البراهين الهندسية في المسائل التعليمية والدعاوى الحسابية » ( 3 ) .
[1] مفاتيح الغيب ، مصدر سابق : المقدمة : ص عج . ( 2 ) مجموعة مقالات ، الطباطبائي ، مصدر سابق : ج 2 ص 11 . ( 3 ) الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، مصدر سابق : ج 9 ص 167 .