المكاشفات العرفانية فقط ، مع قطع النظر عن الاستدلالات العقلية والظواهر الشرعية ، أم أخفقت في تحقيق هذا الغرض ؟ وهذا يستدعي استعراض الأصول الكلّية لمدّعيات هذه النظرية للوقوف على أُسسها وما يستلزم ذلك من لوازم . المرحلة الثانية : لو سلّمنا أنّها استطاعت في المرحلة الأولى ، أن تحقّق تلك الغاية وتصل إلى نظرية كاملة حول الرؤية الكونية - من خلال مشاهدات العارف - فهل استطاعت أن تؤسّس نظاماً فلسفياً يكون قادراً على إثبات الأصول الكلّية لمدّعياتها ، أم لم تكن موفّقة في ذلك ؟ ثمّ يتمّ الانتقال بعد ذلك إلى الاستدلالات العقلية أو النقلية القطعية التي ذكرتها لإثبات تلك الأسس . يمكن القول إجمالاً : إنّها حقّقت إنجازات أساسية على صعيد المرحلتين معاً ، وكان توفيقها في المرحلة الأولى أكثر مما توفّرت عليه في المرحلة الثانية ، ولسنا الآن بصدد الدخول لبيان الحدّ الذي وفقت فيه على صعيد المرحلة الأولى ، وبيان درجة نجاحها في المرحلة الثانية ; لأنّ ذلك يستدعي وضع دراسة مستقلّة تفي بتحقيق هذين الغرضين ، وهي مهمّة أساسية نرجو الله أن يوفّقنا لأدائها . نعم ، استطاع صدر المتألّهين الشيرازي أن يحقّق نجاحاً كبيراً في كلتا المرحلتين ، بنحو لم يسبقه أحد إلى ذلك ، كما سيتّضح من خلال استعراض أصول مدرسة الحكمة المتعالية إن شاء الله . هذا ما يتعلّق بالقسم الأوّل من العرفان وهو النظري . القسم الثاني : العرفان العملي وهو الذي يتعهّد تفسير وبيان مقامات العارفين ودرجات السالكين إلى القرب الإلهي بقدم المجاهدة والتصفية والتزكية .