الحكمة المتعالية . إلى هنا انتهينا إلى أنّ العارف - خلافاً للحكيم المشّائي - يعتقد في المقام الأوّل من البحث أنّه لا طريق للوصول إلى حقائق الأشياء إلاّ من خلال المكاشفة والشهود . المقام الثاني : الطريق الموصل لإثبات المكاشفات للآخرين عندما ينتقل العارف المكاشف إلى المقام الثاني ، وهو إثبات تلك المكاشفات والحقائق للآخرين ، فإنّه أيضاً يحاول الاستعانة بالمنهج والأسلوب العقلي في سبيل هذا الهدف ، فلا يبقى فرق أساس بين العارف والفيلسوف في هذا المقام من البحث ، وإلاّ لبقيت تلك المكاشفات في دائرة الادعاءات التي لا دليل قطعيّ يؤيّدها أو يثبتها ، فلا تكون حجّة على غيره . وهذا ما نجده واضحاً في المقدّمة التي وضعها الشيخ محمود القيصري لشرح فصوص الحكم للشيخ الأكبر ، وكذلك ما جاء في كتاب « تمهيد القواعد » لابن تركة الأصفهاني . قال الأوّل : « إنّ أهل الله إنّما وجدوا هذه المعاني بالكشف واليقين لا بالظن والتخمين ، وما ذكر فيه مما يشبه الدليل والبرهان إنّما جئ به تنبيهاً للمستعدّين من الإخوان . . . فأرجو من الله الكريم أن يحفظني على الطريق القويم ويجعل سعيي مشكوراً وكلامي مقبولاً وأسأل الله العون والتوفيق والعصمة من الخطأ في مقام التحقيق » [1] . وقال الثاني : « وأمّا الرسالة التي صنّفها مولاي وجدّي أبو حامد محمّد الأصفهاني المشتهر ب - ( تركة ) فإنّه مع جعلها مشتملة على البراهين
[1] شرح القيصري على فصوص الحكم ، للشيخ الأكبر محي الدين بن العربي المتوفى سنة 638 ه منشورات بيدار : قم ص 4 .