2 - الموقف من الشريعة بقيت هنالك مقولة أشار إليها السبزواري ، ويردّدها آخرون أيضاً ، تفيد أنّ الفلسفة المشّائية في العصر الإسلامي لا تُعنى كثيراً بمطابقة مقولاتها الفلسفية التي انتهت إليها من خلال أصولها العقلية وقواعدها المنطقية ، لظواهر الشريعة المقدّسة ، بل هي مؤمنة بتلك المقولات الأساسية في هذه المدرسة سواء طابقت ظواهر الشريعة الإسلامية أم لا . إلاّ أنّه لا يمكن الإذعان لهذه الدعوى على إطلاقها ; لأنّ المفروض بهذه المدارس أنّها تتّصف جميعاً ب « الإسلامية » ، وهذا يستلزم أن تكون موافقة في أصولها العامّة وخطوطها الكلّية للأفكار الأساسية التي جاء بها الإسلام . على هذا الأساس فنحن نعتقد أنّ جميع الفلاسفة الإسلاميين كانوا بصدد التوفيق بين المقولات الفلسفية التي يؤمنون بها وبين معطيات الشريعة الإسلامية - وهناك شواهد كثيرة في كلمات هؤلاء الأعلام لا مجال لذكرها هنا - ولم يكن ذلك مقصوراً على الاتّجاه الفلسفي في الفكر الإسلامي ، بل نجده واضحاً في الاتّجاه الكلامي والعرفاني أيضاً ، لأنّ هؤلاء جميعاً كانوا مؤمنين بالإسلام قبل أن يكونوا فلاسفة ومتكلّمين وعرفاء . والأساس الذي كان ينطلق منه هؤلاء الحكماء هو أنّهم كانوا معتقدين بأنّ الشريعة الحقّة صادرة عن مبدأ العقل ، فيستحيل مناقضتها لقضايا العقل الضرورية أو القريبة من الضرورة ، كما يستحيل أيضاً مخالفة العقل لقضايا الشريعة الحقّة بصفتها صادرة عن مبدأ العقل وقيّومه ، وهذا ما نجده واضحاً في كلمات الفارابي وغيره كما سيأتي .