9 . انحصار العلوم الحقيقية بالفلسفة والرياضيات والطبيعيات أشرنا سابقاً إلى أنّ تحديد العلوم الحقيقيّة والبرهانية بثلاثة علوم وحصرها بالفلسفة والرياضيّات والطبيعيّات ، ليس تحديداً وحصراً استقرائيّاً ، بل هو حصر عقليّ مستند إلى القسمة الثنائية العقلية ، وذلك لأنّ الموجود إمّا أن يكون مجرّداً ومستغنياً عن المادّة ذهناً وخارجاً ، بمعنى أنّه لا يحتاج إلى المادّة لا في وجوده الخارجي ولا في وجوده الذهني ، وإمّا أن لا يكون كذلك ، وما هو ليس كذلك إمّا أن يكون محتاجاً إلى المادّة في كلا الوجودين أو لا ، وما لا يحتاج إلى المادّة في كلا الوجودين إمّا هو محتاج إليها خارجاً لا ذهناً أو لا ، والأخير هو الذي يحتاج إلى المادّة في وجوده الذهني دون وجوده الخارجي . والذي يتحصّل من هذه القسمة الثنائية العقلية أربعة أقسام لا خامس لها : القسم الأوّل : هو الموجود المجرّد عن المادّة في وجوده الذهني ووجوده الخارجي ولا يحتاج إلى المادّة في كلا الوجودين ، وهذا الموجود هو الذي يُبحث عنه في علم الفلسفة . القسم الثاني : هو المحتاج إلى المادّة ذهناً وخارجاً ، وهو الذي يبحث عنه في علم الطبيعيّات . القسم الثالث : هو الموجود الذي يحتاج إلى المادّة خارجاً لا ذهناً ، وهو الموضوع لعلم الرياضيّات . أمّا القسم الرابع : وهو المحتاج إلى المادّة ذهناً لا خارجاً ، فهو مستحيل ، لاستحالة أن يكون الشئ بحسب وجوده الذهني مادّياً وبحسب وجوده الخارجي مجرّداً ، وذلك لأنّ المادّة والصورة العقلية إنّما تؤخذان من المادّة