فالفلسفة هدفها الوقوف على الروابط التكوينيّة بين الأشياء في الواقع الخارجي ، ولكن بحسب المفهوم والإدراك لتلك الروابط ، أي صيرورة الإنسان عالماً عقليّاً مضاهياً للعالم العيني ، من هنا لا بدّ أن نستوضح ما هو المراد من الخارجية التي أثبتناها للعلوم الحقيقيّة ، وهذا ما سنبيّنه في العنوان اللاحق . 8 . ما هو المراد من خارجية العلوم الحقيقية ؟ سيأتي في الأبحاث اللاحقة أنّ الخارجية تساوق الوجود ، كما سيأتي أيضاً أنّ حقيقة الوجود ليست متواطية ، وإنّما هي حقيقة مشكّكة ذات مراتب متعدّدة ، وهذا يعني أنّ الخارجية التي تساوق الوجود مشكّكة أيضاً ذات مراتب متعدّدة . وفي المقام عندما نقول بأنّ الفلسفة أو أيّ علم من العلوم البرهانية الأخرى له وجود خارجيّ ووحدة حقيقيّة بوحدة موضوعه ، فإنّما نريد بالخارجية خارجية العلم بخارجية النفس ، وليست هي خارجية مستقلّة عن النفس العالمة ، فليس المراد من كون العلوم البرهانية موجودة في الخارج أنّها موجودة بوجود مستقلّ في الخارج على نحو وجود الجواهر ، بل العلم الحقيقي موجود في الخارج بوجود النفس ، لأنّ النفس من الموجودات الخارجيّة ، فما هو قائم بالنفس أيضاً له وجود خارجيّ ، وذلك لأنّ الخارجيّة مشكّكة ولها مصاديق ومراتب متعدّدة ، أحد مراتبها الخارج في قبال الوجود الذهني ، والعلم الحقيقي - كما سيأتي - من الموجودات الخارجيّة التي تقع مقابل الوجود الذهني ، حيث إنّه يقع صفة لأمر خارجيّ ، وهي النفس العالمة به .