في الواقع عن الواقع ، فكذلك القولُ في بابِ التصوّرِ ، فليس إذَا احتاجَ تصوّرٌ إلى تصوّرٍ يتقدَّمُه يلزمُ ذلك في كلِّ تصوّرٍ ، بل لا بدَّ من الانتهاءِ إلى تصوّرٍ يقفُ ولا يتّصلُ بتصوّرٍ سابقٍ عليه ، كالوجوبِ والإمكانٍ والوجود . فإنّ هذه ونظائرَها معانٍ صحيحةٌ مركوزةٌ في الذهن مرتسمةٌ في العقلِ ارتساماً أوليّاً فطرياً . فمتى قُصِدَ إظهارُ هذه المعاني بالكلام فيكونُ ذلك تنبيهاً للذهن وإخطاراً بالبالِ وتعييناً لها بالإشارة من سائرِ المرتكزاتِ في العقل ؛ لإفادِتها بأشياءَ هيَ أشهُر منها . في أنه لا يمكن إثبات طبيعة الوجود المطلق في نفسه وأمّا إثباتُ الوجودِ لموضوعِ هذا العلم ، أي الموجودِ بما هو موجودٌ ، فمستغنىً عنه ، بلٌ غيرُ صحيحٍ بالحقيقة ، لأنَّ إثباتَ الشئِ لنفسِه غيرُ ممكنٍ لو أُريدَ به حقيقةُ الإثبات ، وخصوصاً إذا كان ذلك الشئُ نفسَ الثبوت ؛ فإنّ الثابتَ أو الموجودَ أو غيرَهما من المرادفاتِ ، نفسُ مفهومِ الثبوتِ والوجود ، كما أنّ المضافَ بالحقيقةِ هو نفسُ الإضافةِ لا غيرُها إلاّ بحسب المجازِ ، سواءٌ كان الوجودُ وجودَ شئٍ آخرَ أو وجودَ حقيقتهِ وذاتهِ ، وهو بما هو هو - أي المطلق - لا يأبى شيئاً مِن القسمين ، وليس يُستوجبُ ببرهانٍ ولا تبيينٍ ، بضرورة أنّ الكونَ في الواقعِ دائماً هو كونُ شئٍ فقطْ أو كوُن نفسِه البتّة ، بل البرهانُ والحسُّ أوجبا القسمينِ جميعاً . الثاني كالوجودِ الذي لا سببَ له ، والأوّلُ كالوجودِ الذي يتعلّقُ بالأجسام . فالوجودُ الغيرُ المتعلّقِ بشئٍ هو موجوديةُ نفسِه والوجودُ العارضُ هو موجوديةُ غيرهِ .