الناس نتيجة غفلتهم . فأصحاب هذا السفر هم الذين ماتوا قبل أن يموتوا واستيقظوا من غفلتهم ، وقامت قيامتهم وغابت عنهم الكثرة ، فأولئك * ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ) * [1] . ولذا ينبغي للعاقل أن يسعى حثيثاً للوصول إلى الموت الاختياري ، في قبال الموت الاضطراري الذي يقع تحت طائلته الجميع ، أمّا الاختياري فلا يحصل إلاّ لمن عظمت همّته ، فهجر الدنيا وطلّقها ثلاثاً وهاجر نحو الحقّ سبحانه وتعالى . السفر الأوّل وخطر الشطحات لقد تبيّن مما تقدّم أنّ منتهى السفر الأوّل هو احتجاب الكثرة عن السالك بالوحدة ، وأنّه لا يرى غير الحقّ سبحانه في الدار ديّار . وهنا - كما يرى ذلك جملة من الأعلام - قد تصدر من بعض السلاّك بعض الشطحيات ، فيُحكم بكفره وإقامة الحدّ عليه ، وقد وقع هذا كثيراً من بعض السالكين على امتداد التاريخ الإسلامي ، فمنهم من كان يقول : « سبحاني ما أعظم شأني » [2] ، ومنهم يُنسب إليه أنّه كان يقول : ثمّ بدا في خلقه ظاهراً في صُورة الآكل والشاربِ [3]
[1] يونس : 64 . [2] يُنسب هذا القول إلى أبي يزيد البسطامي ، وهو من السلاّك المشهورين ، والذي يرى صاحب الرسالة القُشيرية أنّه كان من جملة الداعين إلى الالتزام بالشريعة المقدّسة ويحرصون على ذلك ، حيث يقول : « قال أبو يزيد : لو نظرتم إلى رجل أُعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء ، فلا تغترّوا به ، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي ، وحفظ الحدود ، وأداء الشريعة » ، الرسالة القشيرية ، مصدر سابق : ص 56 . [3] يُنقل ذلك عن الحسين بن منصور الحلاّج ، انظر : سير أعلام النُبلاء ، للحافظ محمّد بن أحمد الذهبي ، مؤسّسة الرسالة ، 1985 م ، بيروت : ج 14 ص 345 .