نظره [1] ، فالإنسان السالك يسير في سفره الأوّل باتّجاه التخلّص من أنانيته وإنّيته ، وما دام هو في دائرة وحدود هذا السفر ( من الخلق إلى الحقّ ) فإنّ للأنانية صوتاً وللذات قدماً في مرتكز النفس . وحيث إنّ هذه النشأة المادّية هي نشأة حركة التجافي والخروج من القوّة إلى الفعل ، وأنّ كلّ جُزء لاحق لا يتحقّق إلاّ بانعدام الجزء السابق بنحو التدريج ، فإنّه سوف يكون الحاكم في هذه النشأة هو الكثرةُ لا الوحدة ؛ ولذا نجد أن السالك إلى الله تعالى في هذا السفر الأوّل يكون مُحتجباً عن الوحدة ، وهذا الحجاب ناشئ من الكثرة . وبعبارة أُخرى : إنّ الوحدة محجوبة عن السالك بالكثرة في عالم المادّة ؛ ولذا فهو في هذا السفر الأوّل يبدأ رحلة تنقله من عالم الكثرة إلى عالم الوحدة ، ومن عالم المادّة والطبيعة إلى الله تعالى ، ومن عالم الآثار إلى المؤثّر ، وبعبارة فلسفية : إنّه سفر وانتقال من المعلول إلى العلّة ، وهذا هو معنى السفر من الخلق إلى الحقّ ، فيكون مقصد السالك هنا هو الواحد بالوحدة الحقّة الحقيقية والمؤثّر الحقيقي والعلّة التامّة ، وهو الحقّ تبارك وتعالى ، والمبدأ في سلوكه وانطلاقه هو عالم الآثار المعلول والكثرة الحقيقية ، فلا المقصد فيه كثرة ، ولا المبدأ والمنطلق في قوس الصعود فيه وحدة حقّة . معنى الاحتجاب والفناء اتضح بأنّ السفر الأوّل هو سفر من عالم الكثرة ( الخلق ) إلى عالم الوحدة ( الله تعالى ) وأنّ السالك في هذا السفر لا بدّ أن يجعل الكثرة مُحتجبة بالوحدة ، بعد أن كانت الوحدة في مبدأ سفره هي المحتجبة بالكثرة .
[1] انظر : التربية الروحية ، السيد كمال الحيدري ، الناشر دار فراقد ، الطبعة السادسة ، 1424 ه - قم : ص 90 .