ومراد الشيرازي من طور الولاية هو المكاشفة والعيان ، فهو لا يخطّئ العقل فيما يصل إليه ، ولكن يعتقد أنّ له حدّاً يقف عنده الاستدلال والبرهان . فالفلسفة الصدرائية ترى أنّ العقل وركائزه يمكنه أن يتقدّم لاكتشاف حقائق الوجود إلى حدّ معيّن لا يستطيع تجاوزه بعد ذلك ; لقصوره عن إدراك ما وراء ذلك الحدّ ، وهنا يبدأ دور المكاشفة والشهود لإكتناه سرّ الوجود بالاتّصال بربّه مباشرة . وعلى هذا الأساس لا يقع أيّ تصادم أو تعارض بين العقل وقدرته على معرفة الحقيقة ، والشهود وقدرته على إكتناهها ; لأنّ المكاشفة تبدأ من حيث ينتهي دور العقل ، فهي في طولها لا في عرضها فلا تنافي بينهما ، وهذا معنى قول العرفاء المتألّهين : « إن المكاشفة طور وراء طور العقل » [1] ، وليس مرادهم أنّ المكاشفة تقول شيئاً يتنافى مع أحكام العقل الصريح ، بل يشاهد العارف حقائق لا يستطيع العقل أن ينالها . 7 - مع المدارس الأخرى وهذه إحدى المميزات الأساسية التي تفترق بها الحكمة المتعالية عن الفلسفة المشّائية ، فبينما كان موقف الأخيرة من العرفان والقواعد العرفانية سلبياً على وجه العموم - بمعنى أنّ هذه الفلسفة لم تقرّ أصول المكاشفة والشهود ولم تؤمن بمعطيات تلك الأصول بنحو يجوز بناء المسائل العلمية عليها والإيمان المنطقي بها ، فرفضت كلّ قيمة لمعطيات العرفان العملي - نجد أنّ الحكمة المتعالية سلكت اتّجاهاً آخر يقول : « إن الأصول العقلية ليست بمثابة يمكن بناء صرح علميّ شامخ عليها ; وذلك لقصورها عن أن ينكشف
[1] شرح القيصري على فصوص الحكم ، النص الإبراهيمي ، الفص العزيزي : ص 304 .