نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 518
في هذا الباب فاعلم إن هذا المنزل هو منزل البرزخ الحقيقي فإن البرزخ يتوسع فيه الناس وما هو كما يظنون بما هو كما عرفنا الله به في كتابه في قوله في البحرين بينهما برزخ لا يبغيان فحقيقة البرزخ أن لا يكون فيه برزخ وهو الذي يلتقي ما بينهما بذاته فإن التقى الواحد منهما بوجه غير الوجه الذي يلقى به الآخر فلا بد أن يكون بين الوجهين في نفسه برزخ يفرق بين الوجهين حتى لا يلتقيان فإذا ليس ببرزخ فإذا كان عين الوجه الذي يلتقي به أحد الأمرين الذي هو بينهما عين الوجه الذي يلتقي به الآخر فذلك هو البرزخ الحقيقي فيكون بذاته عن كل ما يلتقي به فيظهر الفصل بين الأشياء والفاصل واحد العين وإذا علمت هذا علمت البرزخ ما هو ومثاله بياض كل أبيض هو في كل أبيض بذاته ما هو في أبيض ما بوجه منه ولا في أبيض آخر بوجه آخر بل هو بعينه في كل أبيض وقد تميز الأبيضان أحد هما عن الآخر وما قابلهما البياض إلا بذاته فعين البياض واحد في الأمرين والأمران ما هو كل واحد عين الآخر فهذا مثال البرزخ الحقيقي وكذلك الإنسانية في كل إنسان بذاتها الواحد هو البرزخ الحقيقي وما ينقسم لا يكون واحدا والواحد يقسم ولا يقسم أي ولا ينقسم في نفسه فإنه إن قبل القسمة في عينه فليس بواحد وإذا لم يكن واحدا لم يقابل كل شئ من الأمرين الذي يكون بينهما بذاته والواحد معلوم أنه ثم واحد بلا شك والبرزخ يعلم ولا يدرك ويعقل ولا يشهد ثم إن الناس جعلوا كل شئ بين شيئين برزخا توسعا وإن كان ذلك الشئ المسمى عندهم برزخا جسما كبيرا أو صغيرا لكنه لما منع أن يلتقي الأمران اللذان هو بينهما سموه برزخا فالجوهران اللذان يتجاوران ولا ينقسم كل واحد منهما عقلا ولا حسا لا بد من برزخ يكون بينهما وتجاور الجوهرين تجاور أحيازهما وليس بين أحيازهما حيز ثالث ليس فيه جوهر وبين الحيزين والجوهرين برزخ معقول بلا شك هو المانع أن يكون عين كل جوهر عين الآخر وعين كل حيز عين الآخر فهو قد قابل كل جوهر وكل حيز بذاته من عرف هذا عرف حكم الشارع إذ قال إن الله خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ مع حصول النجاسة فيه بلا شك ولكن لما كانت النجاسة متميزة عن الماء بقي الماء طاهرا على أصله إلا أنه يعسر إزالة النجاسة منه فما أباح الشارع من استعمال الماء الذي فيه النجاسة استعملناه وما منع من ذلك امتنعنا منه لأمر الشرع مع عقلنا أن النجاسة في الماء وعقلنا أن الماء طهور في ذاته لا ينجسه شئ فما منعنا الشارع من استعمال الماء الذي فيه النجاسة لكونه نجسا أو تنجس وإنما منعنا من استعمال الشئ النجس لكوننا لا نقدر على فصل أجزائه من أجزاء الماء الطاهر فبين النجاسة والماء برزخ مانع لا يلتقيان لأجله ولو التقيا لتنجس الماء فاعلم ذلك ألا ترى الصور التي في سوق الجنة كلها برازخ تأتي أهل الجنة إلى هذا السوق من أجل هذه الصور وهي التي تتقلب فيها أعيان أهل الجنة فإذا دخلوا هذا السوق فمن اشتهى صورة دخل فيها وانصرف بها إلى أهله كما ينصرف بالحاجة يشتريها من السوق فقد يرى جماعة صورة واحدة من صور ذلك السوق فيشتهيها كل واحد من تلك الجماعة فعين شهوته فيها التبس بها ودخل فيها وحازها فيحوزها كل واحد من تلك الجماعة ومن لا يشتهيها بعينه واقف ينظر إلى كل واحد من تلك الجماعة قد دخل في تلك الصورة وانصرف بها إلى أهله والصورة كما هي في السوق ما خرجت منه فلا يعلم حقيقة هذا الأمر الذي نص عليه الشرع ووجب به الايمان إلا من علم نشأة الآخرة وحقيقة البرزخ وتجلى الحق في صور متعددة يتحول فيهن من صورة إلى صورة والعين واحدة فيشهد بصرا تحوله في صور ويعلم عقلا أنها ما تحولت قط فكل قوة أدركت بحسب ما أعطتها ذاتها والحق في نفسه صدق العقل في حكمه وصدق البصر في حكمه ثم له علم بنفسه ما هو عين ما حكم به العقل عليه ولا هو عين ما حكم به شهود البصر عليه ولا هو غير هذين بل هو عين ما حكما به وهو ما علمه الحق من نفسه مما لم يعلمه هذان الحاكمان فسبحان العليم القدير قدر وقضى وحكم وأمضى وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه في كل معبود وأين أبين من تحوله في صور المعبودات ولكن أكثر الناس لا يعلمون ثم شرع لنا أن لا نعبده في شئ منها وإن علمنا أنه عينها وعصى من عبده في تلك الصور وجعله مشركا وحرم على نفسه المغفرة فوجبت المؤاخذة في المشرك ولا بد ثم بعد ذلك ترتفع المؤاخذة وما ارتفعت إلا لجهله بصورة ما عنده في الشريك بنفي تلك الصفة في الآخرة عن الشريك فلذلك عوقب ولذلك شملته الرحمة بعد العقوبة وإن
518
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 518