نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 509
ويستفرغان في النظر إلى حسنها فإن وقع للمرأة حمل من ذلك الجماع أثر في ذلك الحمل ما تخيلا من تلك الصورة في النفس فيخرج المولود بتلك المنزلة ولا بد حتى أنه إن لم يخرج كذلك فلأمر طرأ في نفس الوالدين عند نزول النطفة في الرحم أخرجهما ذلك الأمر عن مشاهدة تلك الصورة في الخيال من حيث لا يشعرون وتعبر عنه العامة بتوحم المرأة وقد يقع بالاتفاق عند الوقاع في نفس أحد الزوجين أو الزوجين صورة كلب أو أسد أو حيوان ما فيخرج الولد من ذلك الوقاع في أخلاقه على صورة ما وقع للوالدين من تخيل ذلك الحيوان وإن اختلفا فيظهر في الولد صورة ما تخيله الوالد وصورة ما تخيلته الأم حتى في الحس الظاهر في الصورة أو في القبح وهم مع معرفتهم بهذا السلطان لا يرفعون به رأسا في اقتناء العلوم الإلهية لأنهم لجهلهم يطمعون في غير مطمع وهو التجرد عن المواد وذلك لا يكون أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة فهو أمر أعني التجرد عن المواد يعقل ولا يشهد وليس لأهل النظر غلط أعظم من هذا ولا يشعرون بغلطهم ويتخيلون أنهم في الحاصل وهم في الفائت فيقطعون أعمارهم في تحصيل ما ليس يحصل لهم ولهذا لا يسلم عقل من حكم وهم ولا خيال وهو في عالم الملائكة والأرواح إمكان فلا يسلم روح ولا عالم بالله من إمكان يقع له في كل ما يشهده لأن كل ما سوى الله حقيقته من ذاته الإمكان والشئ لا يزول عن حكم نفسه فلا يرى ما يراه من قديم ومحدث إلا بنفسه فيصحبه الإمكان دائما ولا يشعر به إلا من علم الأمر على ما هو عليه فيعقل التجريد وهما ولا يقدر عليه في نفسه لأنه ليس ثم وهنا زلت أقدام الكثيرين إلا أهل الله الخاصة فإنهم علموا ذلك بإعلام الله ألا ترى إلى زكريا ع لما دخل على مريم المحراب وهي بتول محررة وقد علم زكريا ذلك ورأى عندها رزقا آتاها الله فطلب من الله عند ذلك أن يهبه ولدا حين تعشق بحالها فقال رب هب لي من لدنك يقول من عندك عندية رحمة ولين وعطف ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ومريم في خياله من حيث مرتبتها وما أعطاها الله من الاختصاص بالعناية الإلهية فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب لأنه دخل عليها المحراب عند ما وجد عندها الرزق إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وهو الكمال لأن مريم كملت فكمل يحيى بالنبوة وحصورا وهو الذي اقتطعه الله عن مباشرة النساء وهو العنين عندنا كما اقتطع مريم عن مباشرة الرجال وهي البتول فكان يحيى ع زير نساء كما كانت حنة مريما لأن المريم المنقطعة من الرجال واسمها حنة ومريم لقب لها وصفت به لما ذكرناه آنفا فانظر ما أثر سلطان الخيال من زكريا في ابنه يحيى ع حين استفرغت قوة زكريا في حسن حال مريم ع لما أعطاها الله من المنزلة ونبيا من الصالحين فما عصى الله قط وهو طلب الأنبياء كلهم أن يدخلهم الله برحمته في عباده الصالحين وهم الذين لم يقع منهم معصية قط كبيرة ولا صغيرة وما رأيت أعجب من حال زكريا ع وما رأيت من ظهر فيه سلطان الإنسانية مثله هو الذي يقول هب لي من لدنك ذرية طيبة فما سأل حتى تصور الوقوع ولا بقوله رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر فأين هذه الحالة من تلك الحالة فإن لم يكن ثم قرينة حال جعلته أن يقول مثل هذا حتى يقال له في الوحي كذلك الله يفعل ما يشاء فيكون قصده إعلام الله بذلك حتى يعلم غيره إن الله يفعل ما يشاء في المعتاد أن يخرقه كما وقع وإن كان ذلك القول من نفسه فقد أعطته الإنسانية قوتها فإن الإنسان بذاته كما ذكره الله في كتابه فما ذكره الله في موضع إلا وذكر عند ذكره صفة نقص تدل على خلاف ما خلق له لأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم وهو أنه خلقه تعالى ثم رده إلى أسفل سافلين ليكون له الرقي إلى ما خلقه الله له ليقع الثناء عليه بما ظهر منه من رقية فمن الناس من بقي في أسفل سافلين الذي رد إليه وإنما رد إليه لأنه منه خلق ولولا ذلك ما صح رده وليس أريد بأسفل سافلين إلا حكم الطبيعة التي منه نشأ عند ما أنشأ الله صورة جسده وروحه المدبرة له فرده إلى أصل ما خلقه منه فلم ينظر ابتداء إلا إلى طبيعته وما يصلح جسده وأين هو من قوله بلي عن معرفة صحيحة واعلم أن في حضرة الخيال في الدنيا يكون الحق محل تكوين العبد فلا يخطر له خاطر في أمر ما إلا والحق يكونه في هذه الحضرة كتكوينه أعيان الممكنات إذا شاء ما يشاء منها فمشيئة العبد في هذه الحضرة من مشيئة الحق فإن العبد ما يشاء إلا أن يشاء الله فما شاء الحق إلا أن يشاء العبد في الدنيا ويقع بعض ما يشاء العبد في الدنيا في الحس وأما في الخيال فكمشيئة الحق في النفوذ فالحق
509
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 509