نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 417
متماثلة الأجزاء فلو لا إضاءة الكواكب ما عرف تقدمها ولا تأخرها وهي التي يدركها البصر ويدرك سيرها ورجوعها فجعل أصحاب علم الهيئة للأفلاك ترتيبا جائزا ممكنا في حكم العقل أعطاهم علم ذلك رصد الكواكب وسيرها وتقدمها وتأخرها وبطئها وسرعتها وأضافوا ذلك إلى الأفلاك الدائرة بها وجعلوا الكواكب في السماوات كالشامات على سطح جسم الإنسان أو كالبرص لبياضها وكل ما قالوه يعطي ميزان حركاتها وإن الله تعالى لو فعل ذلك كما ذكروه لكان السير السير بعينه ولذلك يصيبون في علم الكسوفات ودخول الأفلاك بعضها على بعض وكذلك الطرق يدخل بعضها على بعض في المحل الذي يحدث فيه سير السالكين فهم مصيبون في الأوزان مخطئون في إن الأمر كما رتبوه وأن السماوات كالأكروان الأرض في جوف هذه الأكر وجعل الله لهذه الكواكب ولبعضها وقوفا معلوما مقدرا في أزمان مخصوصة لم يخرج الله العادة فيها ليعلم صاحب الرصد بعض ما أوحى الله من أمره في السماء وذلك كله ترتيب وضعي يجوز في الإمكان خلافه مع هذه الأوزان وليس الأمر في ذلك إلا على ما ذكرناه شهودا وكشفا ثم إن الله تعالى يحدث عند هذه الحركات الكوكبية في هذه الطرق السماوية في عالم الأركان وفي المولدات أمورا مما أوحى في أمر السماء وجعل ذلك عادة مستمرة ابتلاء من الله ابتلى بها عباده فمن الناس من جعل ذلك الأثر عند هذا السير لله تعالى ومن الناس من جعل ذلك لحركة الكوكب وشعاعه لما رأى أن عالم الأركان مطارح شعاعات الكواكب فأما الذين آمنوا بالله فزادتهم إيمانا بالله وأما الذين آمنوا بالباطل فزادتهم إيمانا بالباطل وكفروا بالله وهم الخاسرون الذين ما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ثم إن الله تعالى وكل ملائكة بالأرحام عند مساقط النطف فيقلبون النطف من حال إلى حال كما قد شرع لهم الله وقدر ذلك التنقل بالأشهر وهو قوله تعالى وما تغيض الأرحام أي ما تنقص عن العدد المعتاد وما تزداد على العدد المعتاد وكل شئ عنده بمقدار فهو سبحانه يعلم شخصية كل شخص وشخصية فعله وحركاته وسكونه وربط ذلك بالحركات الكوكبية العلوية فنسب من نسب الآثار لها وجعله الله عندها لا لها فلا يعلم ما في الأرحام ولا ما تخلق مما لم يتخلق من النطف على قدر معلوم إلا الله تعالى ومن أعلمه الله تعالى من الملائكة الموكلة بالأرحام ولهذا تكون الحركة الكوكبية العلوية واحدة ويحدث عندها في الأركان والمولدات أمور مختلفة لا تنحصر ولا يبلغها نظر في جزئيات أشخاص العالم العنصري لأن الله قد وضعه على أمزجة مختلفة وإن كان عن أصل واحد كما نعلم أن الله خلق الناس من نفس واحدة وهو آدم وجعلنا مختلفين في عقولنا متفاوتين في نظرنا والأصل واحد ومنا الطيب والخبيث والأبيض والأسود وما بينهما والواسع الخلق والضيق الخلق الحرج فالأصل فرد والفروع كثيرة فالحق أصل والكيان فروع وما خلق الله العالم الخارج عن الإنسان إلا ضرب مثال للإنسان ليعلم أن كل ما ظهر في العالم هو فيه والإنسان هو العين المقصودة فهو مجموع الحكم ومن أجله خلقت الجنة والنار والدنيا والآخرة والأحوال كلها والكيفيات وفيه ظهر مجموع الأسماء الإلهية وآثارها فهو المنعم والمعذب والمرحوم والمعاقب ثم جعل له أن يعذب وينعم ويرحم ويعاقب وهو المكلف المختار وهو المجبور في اختياره وله يتجلى الحق بالحكم والقضاء والفصل وعليه مدار العالم كله ومن أجله كانت القيامة وبه أخذ الجان وله سخر ما في السماوات وما في الأرض ففي حاجته يتحرك العالم كله علوا وسفلا دنيا وآخرة وجعل نوع هذا الإنسان متفاوت الدرجات فسخر بعضه لبعضه وسخره لبعض العالم ليعود نفع ذلك عليه فما سخر إلا في حق نفسه وانتفع ذلك الآخر بالعرض وما خص أحدا من خلق الله بالخلافة إلا هذا النوع الإنساني وملكه أزمة المنع والعطاء فالسعداء خلفاء ونواب ومن دون السعداء فنواب لا خلفاء ينوبون عن أسماء الله في ظهور حكم آثارها في العالم على أيديهم فهم خلفاء في الباطن نواب في الظاهر فالنائب هو الظاهر بالليل لأنه نائب لا خليفة إلهي بوضع شرعي ومستتر بالنهار فيعلم من حكمة تغير الحكم المشروع أن الشرع الإرادي في جوره مستور ولما كان الحكام في الخلق خلفاء ونوابا كما قررناه بين الله بما شرعه الحق من الباطل وما ينفع مما يضر من الأفعال الظاهرة والباطنة وقسم العمل بين الجوارح والقلب فجعل الله القلوب محلا للحق والباطل والايمان والكفر والعلم والجهل
417
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 417