نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 383
للرضي الإلهي فالرضي بسط الرحمة من غير انتهاء والغضب منقطع بالخبر النبوي فينتهي حكمه ولا ينتهي حكم الرضي ولا سيما وقد قدمنا في كتابنا هذا أن الإنسان ولد على الفطرة وهي العلم بوجود الرب إنه ربنا ونحن عبيد له وأن الإنسان لا يقبض حين يقبض إلا بعد كشف الغطاء فلا يقبض إلا مؤمنا ولا يحشر إلا مؤمنا غير إن الله لما قال فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا فما آمنوا إلا ليندفع عنهم ذلك البأس فما اندفع عنهم وأخذهم الله بذلك البأس وما ذكر أنه لا ينفعهم في الآخرة ويؤيد ذلك قوله فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا حين رأوا البأس كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا فهذا معنى قولنا فلم يك ينفعهم إيمانهم في رفع البأس عنهم في الحياة الدنيا كما نفع قوم يونس فما تعرض إلى الآخرة ومع هذا فإن الله يقيم حدوده على عباده حيث شاء ومتى شاء فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ومن عذاب إلى عذاب ومن عذاب إلى نعيم من غير مدة معلومة لنا فإن الله ما عرفنا إلا إنا استروحنا من قوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة إن هذا القدر مدة إقامة الحدود والله أعلم فإنه لا علم لي بذلك من طريق الكشف فرحم الله عبدا أطلعه الحق على انتهاء مدة الشقاء فيلحقها في هذا الموضع من كتابي هذا فإني علمت ذلك مجملا من غير تفصيل ولما كان إلى ربك يومئذ المساق والرب المصلح فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة هكذا جاء في الخبر النبوي في الرجلين يكون لأحدهما حق على الآخر فيقفان بين يدي الله تعالى فيقول رب خذ لي بمظلمتي من هذا فيقول له ارفع رأسك فيرى خيرا كثيرا فيقول المظلوم لمن هذا يا رب فيقول لمن أعطاني الثمن فيقول يا رب ومن يقدر على ثمن هذا فيقول له أنت بعفوك عن أخيك فيقول قد عفوت عنه فيأخذ بيده فيدخلان الجنة فقال رسول الله ص عند إيراده هذا الخبر فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة الكريم إذا كان من شأنه أن يصلح بين عباده بمثل هذا الصلح حتى يسقط المظلوم حقه ويعفو عن أخيه فالله أولى بهذه الصفة من العبد في ترك المؤاخذة بحقوقه من عباده فيعاقب من شاء بظلم الغير لا بحقه المختص به ولهذا الأخذ بالشرك من ظلم الغير فإن الله ما ينتصر لنفسه وإنما ينتصر لغيره والذي شاء سبحانه ينتصر له فإن الشركاء يتبرءون من أتباعهم يوم القيامة والرب أيضا المغذي والمربي فهو يربي عباده والمربي من شأنه إصلاح حال من يربيه فمن التربية ما يقع بها الألم كمن يضرب ولده ليؤدبه وذلك من جملة تربيته وطلب المصلحة في حقه لينفعه ذلك في موطنه كذلك حدود الله تربية لعباده حيث أقامها الله عليهم فهو يربيهم بها لسعادة لهم في ذلك من حيث لا يشعرون كما لا يشعر الصغير بضرب من يربيه إياه والرب أيضا السيد والسيد أشفق على عبده من العبد على نفسه فإنه أعلم بمصالحه ولن يسعى سيد في إتلاف عبده لأنه لا تصح له سيادة إلا بوجود العبد فإنها صفة إضافية فعلى قدر ما يزول من المضاف يزول من حكم المضاف إليه كالسلطان إذا لم يكن شغله دائما في أمور رعيته وإلا فما له من السلطنة إلا الاسم وهو معزول في نفس الأمر فإن المرتبة لا تقبله سلطانا إلا بشروطها فعلى قدر ما يشتغل عن رعيته بنفسه في لهوه وطربه فهو إنسان من جملة الناس لا حظ له في السلطنة وينقصه في الآخرة من أجر السلطنة وعزها وشموخها على قد ما فرط فيه من حقها في الدنيا بلهوه ولعبة وصيده وتغافله عن أمور رعيته وإذا سمع السلطان باستغاثة بعض رعيته عليه فلم يلتفت لذلك المستغيث ولا قضى فيه بما تعطيه مسألته إما له وإما عليه فقد شهد على نفسه بهذا الفعل أنه معزول وأنه ليس بسلطان ولا فرق بينه وبين العامة فما يقع مثل هذا إلا من سلطان جاهل لا معرفة له بقدر ما ولاة الله عليه ولا غرو أن هذا الفعل يوجب أن يحور عليه وباله يوم القيامة وتقوم عليه الحجة عند الله لرعيته فيبقى موبقا بعمله ولا ينفعه عند ذلك لهوه ولا ماله ولا بنوه ولا كل ما شغله عما تطلبه السلطنة بذاتها وأما الرب الذي هو المالك فلشدة ما يعطيه هذا الاسم من النظر فيما تستحقه المرتبة فيوفيها حقها فقد بان لك في هذا المساق معنى اختصاص هذا الاسم الرب الذي إليه المساق عند التفاف الساق بالساق فبه انتظم الأمران وثبت الانتقالان ومن علم ثبوت الوجود ومن هو مالكه وسيده ومصلحه والثابت له حكمه فيه علم إن الرب مالكه ومن علم منزلة عبوديته علم منزلة سيادة سيده فخافه ورجاه
383
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 383