نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 335
عنده علم بكلام الله عباده فإذا كلمه بالحجاب الصوري بلسان نبي أو من شاء الله من العالم فقد يصحبه الفهم وقد يتأخر عنه هذا هو الفرق بينهما وأما الأرزاق المحسوسة فإنه لا حكم له فيها إلا في بقية الله فمن أكل مما خرج عن هذه البقية لم يأكل من يد هذا الإمام العادل وليس مسمى رزق الله في حق المؤمنين إلا بقية الله وكل رزق في الكون من بقية الله وما بقي إلا أن يفرق بينهما وذلك أن جميع ما في العالم من الأموال لا يخلو إما أن يكون لها مالك معين أو لا يكون لها مالك فإن كان لها مالك معين فهي من بقية الله لهذا الشخص وإن لم يكن لها مالك معين فهي لجميع المسلمين فجعل الله لهم وكيلا هذا الإمام يحفظ عليهم ذلك فهذا من بقية الله الذي زاد على المال المملوك فكل رزق في العالم بقية الله إن عرفت معنى بقية الله فمال زيد بقية الله لزيد لما حجر الله عليه التصرف في مال عمرو بغير إذنه ومال عمرو بقية الله لعمرو لما حجر عليه التصرف في مال زيد بغير إذنه فما في العالم رزق إلا وهو بقية الله فيحكم الإمام فيه بقدر ما أنزل الله من الحكم فيه فاعلم ذلك فالناس على حالتين اضطرار وغير اضطرار فحال الاضطرار يبيح قدر الحاجة في الوقت ويرفع عنه حكم التحجير فإذا نال ما يزيلها به رجح عليه حكم التحجير فإن كان المضطر قد تصرف فيما هو ملك لأحد تصرف فيه بحكم الضمان في قول وبغير ضمان في قول فإن وجد أداه عند القائل بالضمان وإن لم يجد فإمام الوقت يقوم عنه في ذلك من بيت المال وإن كان المتصرف قد تصرف فيما لا يملكه أحد أو يملكه الإمام بحكم الوكالة المطلقة من الله له فلا شئ عليه لا ضمان ولا غيره وهذا علم يتعين المعرفة به على إمام الوقت لا بد منه فما تصرف أحد من المكلفين بالوجه المشروع إلا في بقية الله قال الله عز وجل بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وهو حكم فرعي وإنما الأصل إن الله خلق لنا ما في الأرض جميعا ثم حجر وأبقى فما أبقاه سماه بقية الله وما حجر سماه حراما أي المكلف ممنوع من التصرف فيه حالا أو زمانا أو مكانا مع التحجير فإن الأصل التوقف عن إطلاق الحكم فيه بشئ فإذا جاء حكم الله فيه كنا بحسب الحكم الإلهي الذي ورد به الشرع إلينا فمن عرف هذا عرف كيف يتصرف في الأرزاق وأما علم تداخل الأمور بعضها على بعض فهذا معنى قوله تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل فالمولج ذكر والمولج فيه أنثى هذا الحكم له مستصحب حيث ظهر فهو في العلوم العلم النظري وهو في الحس النكاح الحيواني والنباتي وليس شئ من ذلك مرادا لنفسه فقط بل هو مراد لنفسه ولما ينتجه ولولا اللحمة والسد لما ظهر للشفة عين وهو سار في جميع الصنائع العملية والعلمية فإذا علم الإمام ذلك لم تدخل عليه شبهة في أحكامه وهذا هو الميزان الموضوع في العالم في المعاني والمحسوسات والعاقل يتصرف بالميزان في العالمين بل في كل شئ له التصرف فيه وأما الحاكمون بالوحي المنزل أهل الإلقاء من الرسل وأمثالهم فما خرجوا عن التوالج فإن الله جعلهم محلا لما يلقي إليهم من حكمه في عباده قال تعالى نزل به الروح الأمين على قلبك وقال تعالى ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده فما ظهر حكم في العالم من رسول إلا عن نكاح معنوي لا في النصوص ولا في الحاكمين بالقياس فالإمام يتعين عليه علم ما يكون بطريق التنزيل الإلهي وبين ما يكون بطريق القياس وما يعلمه المهدي أعني علم القياس ليحكم به وإنما يعلمه ليتجنبه فما يحكم المهدي إلا بما يلقي إليه الملك من عند الله الذي بعثه الله إليه ليسدده وذلك هو الشرع الحقيقي المحمدي الذي لو كان محمد ص حيا ورفعت إليه تلك النازلة لم يحكم فيها إلا بما يحكم هذا الإمام فيعلمه الله أن ذلك هو الشرع المحمدي فيحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إياها ولذلك قال رسول الله ص في صفة المهدي يقفو أثري لا يخطئ فعرفنا أنه متبع لا متبوع وأنه معصوم ولا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ فإن حكم الرسول لا ينسب إليه خطأ فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى كما أنه لا يسوع القياس في موضع يكون فيه الرسول ص موجودا وأهل الكشف النبي عندهم موجود فلا يأخذون الحكم إلا عنه ولهذا الفقير الصادق لا ينتمي إلى مذهب إنما هو مع الرسول الذي هو مشهود له كما إن الرسول مع الوحي الذي ينزل عليه فينزل على قلوب العارفين الصادقين من الله التعريف بحكم النوازل أنه حكم الشرع الذي بعث به رسول الله ص وأصحاب علم الرسوم ليست لهم هذه المرتبة لما أكبوا عليه من حب الجاه والرياسة والتقدم على عباد الله وافتقار العامة إليهم فلا يفلحون في أنفسهم ولا
335
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 335