نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 315
على أنه واحد فالكون كله جسم وروح بهما قامت نشأة الوجود فالعالم للحق كالجسم للروح وكما لم يعرف الروح إلا من الجسم فإنا لما نظرنا فيه ورأينا صورته مع بقائها تزول عنها أحكام كنا نشاهدها من الجسم وصورته من إدراك المحسوسات والمعاني فعلمنا إن وراء الجسم الظاهر معنى آخر هو الذي أعطاه أحكام الإدراكات فيه فسمينا ذلك المعنى روحا لهذا الجسم فكذلك ما علمنا أن لنا أمرا يحركنا ويسكننا ويحكم فينا بما شاء حتى نظرنا في نفوسنا فلما عرفنا نفوسنا عرفنا ربنا حذوك النعل بالنعل ولهذا أخبر في الوحي بقوله من عرف نفسه عرف ربه وفي الخبر المنزل الإلهي سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق فما ظهر العالم عن الله إلا بصورة ما هو الأمر عليه وما في الأصل شرفا لي من تستند الشرور والعالم في قبضة الخير المحض وهو الوجود التام غير أن الممكن لما كان للعدم نظر إليه كان بذلك القدر ينسب إليه من الشر ما ينسب إليه فإنه ليس له من ذاته حكم وجوب الوجود لذاته فإذا عرض له الشر فمن هناك ولا يستمر عليه ولا يثبت فإنه في قبضة الخير المحض والوجود ثم من تمام المعرفة الموضوعة في العلم بالله أن للجسم في الروح آثارا معقولة معلومة لما يعطيه من علوم الأذواق وما لا يمكن أن يعلمها إلا به وأن الروح له آثار في الجسم محسوسة يشهدها كل حيوان من نفسه كذلك العالم مع الحق لله فيه آثار ظاهرة وهي ما يتقلب فيه العالم من الأحوال وذلك من حكم اسمه الدهر وأخبر الحق سبحانه أن للعالم من حيث ما كلفه آثارا لولا تعريفه إيانا بها ما عرفناها وذلك أنه إذا اتبعنا رسوله فيما جاءنا به من طاعة الله أحبنا وأرضيناه فرضي عنا وإذا خالفناه ولم نمتثل أمره وعصيناه أخبرنا إنا أسخطناه وأغضبناه فغضب علينا وإذا دعوناه أجابنا فالدعاء من أثره والإجابة من أثرنا ذلك لتعلموا أنه ما أظهر شيئا إلا من صورة ما هو هو ويستحيل أن يكون الأمر إلا كذلك وإلا فمن أين وما ثم إلا هو ولا يعطي الشئ إلا ما في قوته ولهذا نعت الحق لنا نفسه بنعوت المحدثات عندنا وهي في الحقيقة نعوته ظهرت فينا ثم ما عادت عليه ونعتنا سبحانه بنعوت ما يستحقه جلاله فهي نعوته على الحقيقة فلو لا ما أوجدنا على صورة ما هو عليه في نفسه ما صح ولا ثبت أن نقبل صفة مما وصفنا بها مما هي حق له ولا كان يقبل صفة مما وصف بها نفسه مما هي حق لنا والكل حق له فهو الأصل الذي نحن فرعه والأسماء أغصان هذه الشجرة أعني شجرة الوجود ونحن عين الثمر بل هو عين الثمر فما لنا مثل سوى وجود هذا الشجر ومن تمام المعرفة بالله ما أخبرنا به على لسان رسوله ص من تحوله تعالى في الصور في مواطن التجلي وذلك أصل تقلبنا في الأحوال باطنا وظاهرا وكل ذلك فيه تعالى وكذلك هو تعالى في شؤون العالم بحسب ما يقتضيه الترتيب الحكمي فشأنه غدا لا يمكن أن يكون إلا في غد وشأن اليوم لا يمكن أن يكون إلا اليوم وشأن أمس لا يمكن أن يكون إلا في أمس هذا كله بالنظر إليه تعالى وأما بالنظر إلى الشأن يمكن أن يكون في غير الوقت الذي تكون فيه لو شاء الحق تعالى وما في مشيئته جبر ولا تحير تعالى الله عن ذلك بل ليس لمشيئته إلا تعلق واحد لا غير ومنها قوله سنفرغ لكم أيه الثقلان يعني منكم ومن العالم الذي هو سوانا وإنما سمانا بالثقلين لما فينا من الثقل وهو عين تأخرنا بالوجود فأبطأنا ومن عادة الثقيل الإبطاء كما أنه من عادة الخفيف الإسراع فنحن والجن من الثقلين ونحن أثقل من الجن للركن الأغلب علينا وهو التراب فالإنسان آخر موجود في العالم لأن المختصر لا يختصر إلا من مطول وإلا فليس بمختصر فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق فهو نقاوة المختصر أعني الإنسان الكامل وأما الإنسان الحيوان فإنه مختصر العالم وله يفرع الحق ليقيم عليه ميزان ما خلق له فإن قوله سنفرغ لكم أيه الثقلان كلمة تهديد والإنسان الكامل لا يتوجه عليه هذا الخطاب غير إن في هذه الكلمة إشارة للحوق الرحمة بهما أعني الثقلين وذلك في فتح اللام الداخلة على ضمير المخاطب في لكم وإن كان الفتح الإلهي قد يكون بما يسوء كما يكون بما يسر ولكن رحمته سبقت غضبه وجاء بآلة الاستقبال وهو السين وآخر درجة الاستقبال ما يؤول إليه أمر العالم من الرحمة التي لا غضب بعدها لارتفاع التكليف واستيفاء الحدود ولما جاء بضمير الخطاب في قوله لكم وعلمنا من الكرم الإلهي أبدا أنه يرجح جانب السعداء وجانب الرحمة على النقيض ولهذا سمي ما يتألم به أهل الشقاء عذابا لأن السعداء يستعذبون آلام أهل الشقاء إيثار الجناب الحق حيث أشركوا فلهم في أسباب الآلام نعيم فسمى الحق ذلك عذابا إيثارا لهم حين آثروه
315
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 315