نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 272
أشق ما يجري على الإنسان فلما علم الله أنكم لا يقوم عندكم إخراج الرسول مع بقائكم في أوطانكم ذلك مقام ما يستحقه الرسول منكم قال وإياكم فشرككم في الإخراج مع الرسول كما شرككم في العداوة مع الله لتكونوا أحرص على أن لا تلقوا إليهم بالمودة وأن تتخذوهم أعداء والمؤمنون هنا كل ما سوى الرسول فإن الرسول إذا تبين له أن شخصا ما عدو لله تبرأ منه قال تعالى في حق إبراهيم وأبيه آزر بعد ما وعظه وأظهر الشفقة عليه لكونه كان عنده في حد الإمكان أن يرجع إلى الله وتوحيده من شركه فلما بين الله له في وحيه وكشف له عن أمر أبيه وتبين إبراهيم أن أباه آزر عدو لله تبرأ منه مع كونه أباه فأثنى الله عليه فقال فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه وقد كان إبراهيم في حق أبيه أواها حليما لا الآن وقد ورد في الخبر أن إبراهيم يجد أباه بين رجليه في صورة ذيخ فيأخذه بيده فيرمي به في النار فانظر ما أثر عند الخليل إيثاره لجناب الحق من عداوة أبيه في الله تعالى فالله يجعلنا ممن آثر الحق على هواه وأن يجعل ذلك مناه فما أعظمها عندي من حسرة حيث لم نكن بهذه المثابة عند الله حتى نكتفي بذكر عداوتهم لله وإخراج الرسول فهنا ينبغي أن تسكب العبرات فالسعيد من وجد ذلك من نفسه فلم يدخل تحت هذا الخطاب وعلى قدر ما ينقصك من هذا الحال ينقصك من المعرفة بالله ومن الوقت الذي فتح الله علي في هذا الطريق ما لقيت أحدا على هذا القدم فعرفته به وإن كان عليه في نفس الأمر ولكن ما عرفني الله به وربما عرضت له به فلم أجد عنده إلا النقيض لكني أعلم أن في الأرض عبادا لهم هذا المقام فالحمد لله الذي فتح علي به ونرجو إن شاء الله البقاء عليه فإن أكثر أبواب المعرفة بالله تحول بين هذا المقام وبين المؤمنين والعلماء فهو مقام غامض صعب التصور تقدح فيه معارف إلهية كثيرة ومتى لم يحصل لأحد هذا المقام ذوقا فاعلم أنه بينه وبين من هو عدو لله مناسبة ولتلك المناسبة لم يتبرأ منه إذا تبين له لأنه قبل التبيين يعذر قال تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وقال وما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه فليس بأصحاب الجحيم إلا أعداء الله تعالى الذين هم أهل الجحيم فكن مع الحق لا تبغي به بدلا * وأفرد الحق لا تضرب له مثلا والله ولي الإعانة والتوفيق واعلم أن هذا المنزل يحوي على علم الزيادة من الخير وفيه علم ما يتميز به الحق من الباطل والحدود التي تفصل بين الأشياء وتميز بعضها عن بعض وفيه علم عبيد الكنايات لا عبيد الأسماء وما بينهما من المراتب في الرفعة والشرف ومن أشد وصلة في العبودية هل عبد الكناية أو عبد الاسم وفيه علم ما يتعلق بالعالم كله من العلوم وفيه علم ما يختص به الحق من الصفات دون خلقه وفيه علم التنزيه لماذا يرجع هل لوجود أو لعدم وفيه علم الموازين وفيه علم ما أوجب اتخاذ الشريك في العالم وكل مولود فإنما يولد على الفطرة فمن أين كفر الأول وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه أو يمجسانه وهل العقل ينزل هنا من حيث فكره منزلة الأبوين في كون هذا الشخص قد أخرجه نظره من فطرته إلى إثبات الشريك وفيه علم ما يملكه الإنسان بذاته مما لا يملكه وتصرفه فيما لا يملكه لما ذا تصرف فيه وفيه علم ما يؤول إليه قائل الزور والشاهد به وكون الحاكم غير معصوم باتباع هواه ولما ذا أبقاه الله حاكما في ظاهر الأمر وإن كان معزولا في باطن الأمر فيما حكم فيه بهواه وقوله تعالى قل رب احكم بالحق وفيه علم العلامات التي يعرف بها الصادق من الكاذب وهي من العلامات التي لا تنقال بل يجدها الإنسان من نفسه إذا كان من أهل المراقبة لأحواله فلا يفوته علم ذلك ومن لم تكن المراقبة حاله فإنه لا يعرف تلك العلامات أصلا والمؤمنون أحق بمعرفتها من أصحاب النظر وفيه علم ما يختص به الشيوخ في هذا الطريق يعرف به حال المريدين متى يستحقون أن يكونوا مريدين وأن يقبل عليهم الشيخ قبول إفادة وليس للشيخ في هذا الطريق أن ينبه المريد على صورة ما يكون بحصول معناها في نفسه حصول الفتح له ونيل السعادة لئلا يظهر بالصورة في ذلك والباطن معرى عن المعنى الموجب لتلك الصورة فإن قلت فهذا لا ينبغي للشيخ أن يستره عن المريد قلنا بل ينبغي أن يستره عن المريد وواجب عليه ذلك لعلمه أن المعنى الموجب لظهور تلك الصورة إذا قام بالمريد أوجب له ظهور تلك الصورة فيعلم الشيخ عند ذلك أن الله قد أهل ذلك المريد
272
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 272