responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 3  صفحه : 237


اعلم أيدك الله بروح منه أن الله لما خلق النفس الناطقة المدبرة لهذا الهيكل المسمى إنسانا سلط عليه في هذا المزاج الخاص بهذه النشأة الدنيوية ثلاثة أشياء جعلها من لوازم نشأته النفس النباتية والنفس الشهوانية والنفس الغضبية فأما النفس النباتية والغضبية فيزولان في نشأة أهل السعادة في الجنان ولا يبقى في تلك النشأة إلا النفس الشهوانية فهي لازمة للنشأتين وبها تكون اللذة لأهل النعيم وأما النفس النباتية فهي التي تطلب الغذاء لتجبر به ما نقص منه فينمي به الجسم فلا ينفك يتغذى دائما فأما من خارج يجلب إليها وهو المعبر عنه بالأكل وإما من حيث شاء الله من غير تعيين ولها أربعة وزعة الجاذب والماسك والهاضم والدافع فأما الجاذب فحكمه أن ينقل الغذاء من مكان إلى مكان فينقله من الفم إلى المعدة ومن المعدة إلى الكبد ومن الكبد إلى القلب وإلى سائر العروق وأجزاء البدن فإنه المقسم على أجزاء البدن ما يحتاج إليه مما يكون به قواها ويساعده الدافع فإنه يدفع به عن مكانه إذا رآه قد استوفى حقه من ذلك المكان وما بقي له فيه شغل ودفع به حتى لا يزاحم غيره إذا ورد فهو يساعد الجاذب وأما الماسك فهو الذي يمسكه في كل مكان حتى بأخذ التدبير فيه حقه فإذا رأى أنه وفى حقه ترك يده عنه فتولاه الدافع والجاذب وأما الهاضم فهو الذي يغير صورة الغذاء ويكسوه صورة أخرى حتى يكون على غير الصورة التي كان عليها فإنه كان على صورة حسنة وذا رائحة طيبة فلما حصل بيده وغير صورة شكله وكساه صورة متغيرة لريح مبددة النظم ولهذا سمي هاضما من الاهتضام ولكن وجود الحكمة في هذا الاهتضام فإنه لولا الهضم ما وجد المقصود الذي قصده الغاذي بالغذاء فظاهر الأمر فساد وباطنه صلاح ولا يزال هذا الهاضم بنقله من صورة إلى صورة والماسك يمسك عليه بقاءه حتى يدبر فيه ما يعطيه علمه وما وكل به فإذا استوفياه بحسب ذلك الموطن تركاه وأخذه الجاذب والدافع فإذا أنزلاه ونقلاه إلى المكان الآخر رداه إلى الماسك وإلى الهاضم فيفعلان فيه مثل ما فعلاه في المكان الذي قبله ويفتح فيه صورا مختلفة فيأخذه الجاذب والدافع فيسلكان بتلك الصور طرقا معينة لا يتعديانها ما دام يريد الله إبقاء هذه النشأة الطبيعية ولولا هؤلاء الوزعة ما تمكنت النفس النباتية من مطلوبها فإذا أراد الله هلاك هذه النشأة الطبيعية طلبت النفس النباتية مساعدة الشهوة لها حتى تنبعث النفس المدبرة لجلب ما تشتهي فلم تفعل وأضعفها الله باستيلاء سلطان الحرارة على محلها فضعفت كما يضعف السراج في نور الشمس فيبقى لا حكم له فتبقى النفس النباتية بحقيقتها تقول لوزعتها لا بد لي من شئ أتغذى به فتتغذى بأخلاط البدن وما بقي فيه من الفضول ووزعتها قد ضعفوا أيضا مثلها فلا تزال النشأة في نقص متزايد والدافع يقوى والجاذب يضعف وكذلك الماسك إلى أن يموت الإنسان ولولا هذا التدبير بهذه الآلاة لهذه النشأة ما سمعت أذن ولا نظر بصر ولا كان حكم لشئ من هذه القوي الحسية والمعنوية وأما النفس الشهوانية فسلطانها في هذا الهيكل طلب ما يحسن عندها ولا تعرف هل يضرها ذلك أو ينفعها وهذا ليس إلا في نشأة الإنسان وأما سائر الحيوان فلا يتناول الغذاء إلا بالإرادة لا بالشهوة ليدفع عن نفسه ألم الجوع والحاجة فلا يقصد إلا لما له فيه المنفعة ويبقى حكم الشهوة في الحيوان في الاستكثار من الغذاء فمنه يدخل عليه الخلل والإنسان يدخل عليه الخلل كذلك من الاستكثار مما ينفع القليل منه ومن تناوله ما لا ينفعه أصلا مما يطلبه الشهوة ويتضرر به المزاج فهذا الفارق بين الإنسان والحيوان في تناول الغذاء فالنفس الشهوانية للنفس النباتية كما قيل في ذلك إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق فلها الصداقة مع النفس النباتية لأنها المساعدة لها على الغذاء وتناوله وهي العدوة حيث تدخل عليها من الأغذية ما يضرها ولا ينفعها فمساعدتها للنفس النباتية إنما هو بالعرض لا بالذات فهي العدو اللازم الذي لا يمكن مفارقته ولا يؤمن شره وأما النفس الغضبية وهي السبعية فهي التي تطلب القهر لما رأت من تفوقها على سائر الحيوان بما أعطيت من القوي والتمكن من التصرف وأبصرت العالم مسخرا لنشأتها ولمدبرها ورأت أن في الوجود عوارض تعرض اتفاقية أو لأسباب تظهر يمنعها ذلك كله من وصولها إلى أغراضها فتغضب لعدم حصول الغرض فإن كان لها سلطان قوي مساعد من همة فعالة أو آمرة من خارج لها بها إمضاء غضبها في المغضوب عليه أهلكته وأظهرت

237

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 3  صفحه : 237
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست