نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 158
بعضهم على بعض ويظهر فيه التفاوت فاعلم إن النفس الناطقة من الإنسان إذا أراد الله بها خيرا كشف لها عن نطق جميع أجزاء بدنها كلها بالتسبيح والثناء على الله بحمده لا بحمد من عندها ولا ترى فيهم فتورا ولا غفلة ولا اشتغالا ورأت ذاتها غافلة عما يجب لله تعالى عليها من الذكر مفرطة مشتغلة عن الله بأغراضها متوجهة نحو الأمور التي تحجبها عن الله والوقوف عند حدوده فيعظم العالم عندها وتعلم أنه شعائر الله التي يجب عليها تعظيمها وحرمات الله وتصغر عندها نفسها وتعلم أن لو تميزت عن جسمها ولم يكن جسمها من المتمات لها في نشأتها لعلمت أن الجسم ذلك المدبر لها أشرف منها فلما علمت إن ذلك الجسم أشرف منها علمت إن شرفه بما هو عليه من هذه الصفات هو عين شرفها وإنها ما أمرت بتدبيره واستخدمت في حقه وصيرت كالخديم له وتوجهت عليها حقوق له من عينه وسمعه وغير ذلك إلا لشغله بالله وتسبيح خالقه فعلمت نفسها أنها مسخرة له فلو كانت هي من الاشتغال بالله في مثل هذا الاشتغال كان لها حكم جسمها ولو وكل الجسم لتدبير ذاته اشتغل عن التسبيح كما اشتغلت النفس الإنسانية وإذا علمت أنها مسخرة في حق جسمها عرفت قدرها وأنها في معرض المطالبة والمؤاخذة والسؤال والحساب فتعين عليها في دار التكليف أداء الحقوق الواجبة عليها لله وللعالم الخارج عنها ولنفسها بما يطلبه منها جسمها ولم تتفرع مع هذا الاشتغال إلى رؤية الأفضلية ولا تشوفت لمعرفة المراتب وهذه المرتبة أعني مرتبة أداء الحقوق أشرف المراتب في حق الإنسان والخاسر من اشتغل عنها كما إن الرابح من اشتغل بها واعلم أن الله تعالى إذا ذكر لك شيئا بضمير الغائب فما هو غائب عنه وإنما راعى المخاطب وهو أنت والمذكور غائب عنك فإذا ذكره بضمير الحضور من إشارة إليه وغيرها فإنما راعاك ومراعاة شهوده لا بد منها في كل حال ولكن يفرق بين ما يحكيه الله من أقوال القائلين وبين الكلام الذي يقوله من عند نفسه فإذا كان الحق سمع العبد وبصره زالت الغيبة في حق العبد فما هو عند ذلك مخاطب بما فيه ضمير غائب وقد وجد الخطاب لمن هذه صفته بضمير الغائب فكيف الأمر قلنا لما كان العبد المنزل عليه القرآن مأمورا بتبليغه إلى المكلفين وتبيينه للناس ما نزل إليهم ومن الأشياء ما هي مشهودة لهم وغائبة عنهم ولم يؤمر أن يحرف الكلم عن مواضعه بل يحكي عن الله كما حكى الله له قول القائلين وقولهم يتضمن الغيبة والحضور فما زاد على ما قالوه في حكايته عنهم وقيل له بلغ ما أنزل إليك فلم يعدل عن صورة ما أنزل إليه فقال ما قيل له فإنه ما نزلت المعاني على قلبه من غير تركيب هذه الحروف وترتيب هذه الكلمات ونظم هذه الآيات وإنشاء هذه السور المسمى هذا كله قرآنا فلما أقام الله نشأة القرآن صورة في نفسها أظهرها كما شاهدها فأبصرتها الأبصار في المصاحف وسمعتها الآذان من التالين وليس غير كلام الله هذا المسموع والمبصر وألحق الذم بمن حرفه بعد ما عقله وهو يعلم أنه كلام الله فأبقى صورته كما أنزلت عليه فلو بدل من ذلك شيئا وغير النشأة لبلغ إلينا صورة فهمه لا صورة ما أنزل عليه فإنه لكل عين من الناس المنزل إليهم هذا القرآن نظر فيه فلو نقله إلينا على معنى ما فهم لما كان قرآنا أعني القرآن الذي أنزل عليه فإن فرضنا أنه قد علم جميع معانيه بحيث إنه لم يشذ عنه شئ من معانيه قلنا فإن علم ذلك وهذه الكلمات التي تدل على جميع تلك المعاني فلأي شئ يعدل وإن عدل إلى كلمات تساويها في جميع تلك المعاني فلا بد لتلك الكلمات التي يعدل إليها من حيث ما هي أعيان وجودية أعيان غير هذه الأعيان التي عدل عنها التي أنزلت عليه فلا بد أن تخالفها بما تعطيه من الزيادة من حيث أعيانها على ما جمعته من المعاني التي جمعتها الكلمات المنزلة فيزيد للناظر في القرآن معاني أعيان تلك الكلمات المعدول إليها وما أنزلها الله فيكون النبي قد بلغ للناس ما نزل إليهم وما لم ينزل إليهم فيزيدون في الحكم شرعا لم يأذن به الله كما أيضا ينقص مما أنزل الله أعيان تلك الكلمات التي عدل عنها فكان الرسول قد نقص من تبليغ ما أنزل إليه أعيان تلك الكلمات وحاشاه من ذلك فلم يكن ينبغي له إلا أن يبلغ إلى الناس ما نزل إليهم صورة مكملة من حيث الظاهر حروفها اللفظية والرقمية ومن حيث الباطن معانيها ولذلك كان جبريل في كل رمضان ينزل على محمد ص يدارسه القرآن مرة واحدة فكانت له مع جبريل ع في كل رمضان ختمة إلى أن جاء آخر رمضان شهده رسول الله ص فدارسه جبريل مرتين في ذلك الرمضان فختم ختمتين فعلم أنه يموت في السنة الداخلة لا في سنة ذلك الرمضان فكانت الختمة الثانية لرمضان السنة التي مات فيها حتى تكون
158
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 158