نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 106
المحال التي يظهر فيها تغير الأحوال فليس لأصحاب التكوين إلا مراتب العوام إلا أن الفرق بينهم وبين العوام أن العامة لها التكوين في معتاد ولهؤلاء التكوين في غير معتاد ولكن هو معتاد لهم فهم بمنزلة العامة في عاداتهم وصاحب الوجود والشهود لا يبرح في ليس لك من الأمر شئ فإذا عاينوا أهل التكوين ما ذكرناه من عمارة الأمكنة ونضد العالم وإنه ما يقبل الزيادة ولا النقصان وإنه قد خلق في أكمل صورة وما بقي لهم تصريف إلا في المحال وإيجاد إلهيات كالتجلي الإلهي في الصور انكسرت قلوبهم وعلموا عجزهم وأنهم قاصرون مقيدون في التكوين فيطلبون الراحة من تعب التكوين فيأتيهم الخطاب الإلهي في أسرارهم بقوله ألم تر إلى ربك كيف مد الظل لوجود الراحة فاستراحوا عند هذا الخطاب في ظله الممدود وظل الشئ يخرج على صورة الشئ فجعل الله راحتهم بالعالم لا به والمفلس ما له راحة إلا به فإنه قد أفلسه من العالم فليس له راحة في الظل فلا حكم للعالم عليه ولا مزية فهو لله بالله فإذا أراد الله راحة هذا المفلس قبض الظل إليه قبضا يسيرا فانكشف عن موضع استراحة هذا المفلس لأنه إذا قبض الظل إليه عمر النور المكان المقبوض منه هذا الظل وهو موضع راحة هذا المفلس فإنه لحاجته كالمقرور يطلب الشمس لوجود الراحة له في النور فإذا استراح أهل التكوين في علم قوله ألم تر إلى ربك كيف مد الظل استراح المفلس من هذه الآية إلى قوله ألم تر إلى ربك في بدء أمره وفي نهايته إلى قوله ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا فما رأى في البداية والنهاية إلا ربه فهو الأول في شهوده والآخر في انتهاء وجوده وبقي أهل التكوين في علم مد الظل لا في كيفيته والمفلسون ما نظروا في الظل إلا من حيث خاطبهم الحق وهو قوله كيف مد الظل فوقفوا مع الكيفية وهي إلهية فما وقفوا إلا مع الله لا مع الظل لأن الكيفية شهود الممد له لا شهود الممدود فجعلهم الحق لهذه المنزلة يفيضون على أهل التكوين من علوم الحياة ما تحيا به قلوبهم فإذا رأوا الإمداد يأتيهم نظروا من أي جهة أتاهم ذلك فرأوه من جهة هؤلاء الكمل من رجال الله فعرفوا إن لله رجالا فوقهم لهم القربة الإلهية بما سبق لهم عند الله فكانوا لهذه السابقة من السابقين المسارعين إلى الخيرات على طريق الاقتصاد وأعطوا كل ذي حق حقه كما أعطى الله كل شئ خلقه فلهؤلاء العرش ولأهل التكوين الفرش فلهم الاستواء ولأهل التكوين الاتكاء ولهم النزول ولأهل التكوين الارتفاع والصعود ولهم حقائق أسماء التنزيه ولأهل التكوين حقائق أسماء التشبيه إذ بها يغيرون الأحوال في المحال فهذا بعض ما هم عليه أهل يد التكوين وأصحاب الوجه الذين لهم ما بين اليدين وأما أهل التسليم فهم في جهد ومشقة في نار مجاهدة ورياضة لا يعرفون برد اليقين ولا حرارة الاشتياق إلى التعيين لأن الشوق لا يتعلق إلا بمعروف ولا يكون إلا لأصحاب الحروف الذين يعبدون الله على حرف لمعناه فإن أصابه خير اطمأن به أي بالحرف لأجل الخير الذي أصابه منه وهو خير مقيد معين عنده الذي لأجله لزم هذا الحرف دون غيره إذ الحروف كثيرة فهو كمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فأنهار به فهو على شفا لا على شفاء ولكن مع هذا فرحمة الله شاملة ونعمته سابغة ولكل موجود في العالم وجهان باطن فيه الرحمة وظاهر من قبله العذاب كالسور بين الجنة والنار والعبد حاله بحسب الوجه الذي ينظر إليه من كل موجود لأن الحق وصف نفسه بالغضب والرضاء والعالم على صورته فلا بد مما ذكرناه أن يكون العالم عليه فلا بد من القبضتين ولا بد من اليدين ولا بد من الدارين ولا بد من البرزخ بين كل اثنين ومن كل شئ خلقنا زوجين لأنه مخلوق عن صفتين إرادة وقول وهما اللذان يشهدهما كل مخلوق من الحق فإن العالم نتيجة والنتيجة لا تكون إلا عن مقدمتين وهذا هو التناسل الإلهي ولهذا أوجده على الصورة كوجود الابن على صورة الأب في كل جنس من المخلوقات فالعالم من حيث أجزائه وتفاصيله كالأعضاء للاسم الظاهر ومن حيث معانيه وتفاصيل مراتبه كالقوى الروحانية الباطنة التي لا تعلم إلا بآثارها للاسم الباطن فقامت نشأة العالم على الظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم لا إله إلا هو العزيز الحكيم فهذا قد بينا في هذا المنزل ما تقتضيه الثلاثة الأوجه الإلهية والمراتب الثلاثة التي ظهر فيها التفاضل بين العالم فلنذكر ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم فأول ذلك علم المبشرات وعلم الميزان الإلهي الذي بيده للخفض والرفع الوارد حديثه في الخبر النبوي الذي أشهده الحق وفيه علم الحركات الطبيعية خاصة وفيه علم تحليل
106
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 106