نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 105
بما من شأنه أن يمتنع فلا يمتنع لما يعلمه مما هو عليه من صفة الاقتدار على إنزاله أنتج له ذلك الأخذ بالشدائد وترك الرخص فهذا بعض أحوال أهل الوجه وأما الصنفان الآخران فللواحد منهم التكوين وللآخر التسليم فأما أهل التكوين من هذين الصنفين فتميزهم في أحوالهم ومكانهم من العالم العلوي إذا فارقوا هياكلهم بالموت وفتحت لهم أبواب السماء وعرج بأرواحهم إلى حيث أسكنوا عند السدرة المنتهى لا يبرحون بها إلى يوم النشور لأنهم في حال أعمالهم بلغوا المنتهى في بذل وسعهم فيما كلفوا من الأعمال وما توانوا بل بذلوا المجهود الذي لم يبق لهم مساغا كل على قدر طاقته فلا فرق بين من يتصدق بمائة ألف دينار إذا لم يكن له غيرها وبين من يتصدق بفلس إذا لم يكن له غيره فاجتمع الاثنان في بذل الوسع ومن هناك جوزوا وجمعهم مكان واحد وهو سدرة المنتهى التي غشاها من نور الله ما غشي فلا يستطيع أحد أن ينعتها وقد تبين مثل هذا في قول الشارع سبق درهم ألفا لأن صاحب الدرهم لم يكن له سواه فبذله لله ورجع إلى الله لأنه لم يكن له مستند يرجع إليه سواه وصاحب الألف أعطى بعض ما عنده وترك ما يرجع إليه فلم يرجع إلى الله فسبقه صاحب الدرهم إلى الله وهذا معقول فلو بذل صاحب الألف جميع ما عنده مثل صاحب الدرهم لساواه في المقام فما اعتبر الشارع قدر العطاء وإنما اعتبر ما يرجع إليه المعطي بعد العطاء فهو لما رجع إليه فالراجعون إلى الله هم المفلسون من كل ما سوى الله وإن كان صاحب الجدة ممن يرى الحق في كل صورة فما يدرك رتبة من يراه في لا شئ فإنه يراه في ارتفاع النسب والإطلاق وعدم التقييد ولا شك أن الحق إذا تقيد للمتجلي له في صورة فإن الصورة تقيد الرائي وهو تعالى عند كل راء في صورة لا يدركها الآخر فلا يدرك مطلق الوجود إلا المفلس الذي ذهبت الصور عن شهوده كما قال في الظمآن حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فنفى شيئية المقصود ووجد الله عنده يعني عند لا شئ فإنه ليس كمثله شئ وهو غني عن العالمين فلا يدركه إلا من أفلسه الله من العالمين والمفلس من العالمين في غاية الغني عن العالمين لما تقطعت به الأسباب رده الحق إليه فعلم لمن رجع وبما ذا رجع فرجع بالإفلاس لمن له الغني عنه فعرف الحق حقا فاتبعه فحق عينه عدم وشهود وحق ربه وجود وشهود قال ص صاحب الكشف الأتم إن أصحاب الجد محبوسون والمحبوس مقيد والمفلس ما له جد يقيده ولا يحبسه فهو مطلق عن هذا التقييد الذي لأصحاب الجد فهو أقرب إلى الصورة بالإطلاق من أصحاب الجد لتقيدهم فأصحاب الجد في رتبة من يرى الحق في الأشياء فيقيده بها ضرورة لأن المقام يحكم عليه والمفلس محمدي لا مقام له فإنه قيل له ليس لك من الأمر شئ فأفلسه وليس الجد إلا لمن له الأمر فكل من له الأمر فهو صاحب جد لأن الأمر للتكوين فما أراده كان فليس بمفلس ومن خرج عن حقيقته فقد زل عن طريقه فما للخلق وللتكوين إن قال أو أمر بحق فالتكوين للحق لا له كما قال فيمن له التكوين فيكون طائرا بإذني وفي آية أخرى فيكون طائرا بإذن الله فأعطاه وجرده فالبقاء على الأصل أولى وهو قوله لأكرم الناس عليه وأتمهم في الشهود وأعلاهم في الوجود ليس لك من الأمر شئ فأفلسه يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا فإن الله ينشئكم فيما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى إنها كانت فيما لا يعلم أفلا تذكرون فأهل الله لا يبرحون في موطن الإفلاس فهم في كل نفس على بينة لا على لبس من علم جديد لم يكن عنده فإنه ينشئه دائما فيما لا يعلم فليس بصاحب نظر وتدبير ولا روية إذ لا يكون النظر إلا في مواد وجودية وهي الحدود التي حبستهم عن العلم بالله فهم في لبس من خلق جديد وهم فيه وهم لا يشعرون فإذا دخلوا الجنة يوم القيامة فلا ينزلون منها إلا فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وإذا لم يخطر على القلب وله مقام التقليب في الوجوه فما ظنك بالعقل الذي لا تقليب عنده جعلنا الله من هؤلاء المفلسين وحال بيننا وبين مقام أهل الجد المحبوسين ثم إن أصحاب التكوين الذين لهم القوة الإلهية في إيجاد الأعيان إذا شاهدوا نضد العالم وترتيبه وإنه ما بقي فيه خلاء يعمره تكوينهم علموا عند ذلك أن الله قد حال بينهم وبين إيجاد المعدوم وليس التكوين الحقيقي إلا ذلك فما حصل بأيديهم من التكوين إلا تغير الأحوال وهو الموجود في العامة فيكون قائما فيقعد أو قاعدا فيقوم أو ساكنا فيتحرك أو متحركا فيسكن ليس في قدرته غير ذلك فإن التكوين الذي هو إيجاد المعدوم ما بقي له مكان في العالم يظهر فيه فزالت الأمكنة بما عمرته من صور العالم وأعيانه من حيث جوهره وما زالت
105
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 105