responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 245


إطلاق اللفظ إذ كان الورع اجتناب المحرمات وكل ما فيه شبهة من جانب المحرم فيجتنب لذلك الشبه وهو المعبر عنه بالشبهات أي الشئ الذي له شبه بما جاء النص الصريح بتحريمه من كتاب أو سنة أو إجماع بالحال الذي يوجب له هذا الاسم مثل أكل لحم الخنزير لمن ليس له حال الاضطرار فهو عليه حرام فلهذا قلنا بالحال الذي يوجب له هذا الاسم كما أن المضطر ليس بمخاطب بالتحريم فأكل لحم الخنزير في حق من حاله الاضطرار هو له حلال بلا خلاف ولما كان التحريم معناه المنع من الالتباس به ورأوا أن لذلك أحوالا وأنه ما ثم في الوضع شئ محرم لعينه لهذا قيده الشارع بالأحوال وقد انسحب عليه التحريم للحال فما هو محرم لعينه أولى بالاجتناب فلا بد من اجتنابه باطنا علما وقد يحل هذا المحرم لعينه في ظاهر الحال ما يلزمه وهذا هو التحريم الذي لا يحل أبدا من حيث معناه ولا يصح أن تجئ آية شرعية تحله وهو الاتصاف بأوصاف الحق تعالى التي بها يكون إلها فواجب شرعا وعقلا اجتناب هذه الأسماء الإلهية معنى وإن أطلقت لفظا فينبغي أن لا تطلق لفظا على أحد إلا تلاوة فيكون الذي يطلقها تاليا حاكيا كما قال تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فسماه عزيزا رؤفا رحيما فنسميه بتسمية الله إياه ونعتقد أنه صلى الله عليه وسلم في نفسه مع ربه عبد ذليل خاشع أواه منيب فاطلاق الألفاظ التي تطلق على الحق من الوجه الصحيح الذي يليق بالجناب الإلهي لا ينبغي أن تطلق على أحد من خلق الله إلا حيث أطلقها الحق لا غير وإن أباح ذلك فالورع ما هو مع المباح ولا سيما في هذه المسألة خاصة فلا يطلقها مع كون ذلك قد أبيح له فإذا أطلقها على من أطلقها عليه الحق أو الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون هذا المطلق تاليا أو مترجما ناقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإطلاق ثم من الورع عند هؤلاء الرجال أن ينزلوا إلى ما اختصت به الأنبياء والرسل من الإطلاق فيتورعوا أن يطلقوا عليهم أو على أحد ممن ليس بنبي ولا رسول اللفظ الذي اختصوا به فيطلقون على الرسل الذين ليسوا برسل الله لفظ الورثة والمترجمين فيقولون وصل من السلطان الفلاني إلى السلطان الفلاني ترجمان يقول كذا وكذا فلم يطلقوا على المرسل ولا على المرسل إليه اسم الملك ورعا وأدبا مع الله وأطلقوا عليه اسم السلطان فإن الملك من أسماء الله فاجتنبوا هذا اللفظ أدبا وحرمة وورعا وقالوا السلطان إذ كان هذا اللفظ لم يرد في أسماء الله وأطلقوا على الرسول الذي جاء من عنده اسم الترجمان ولم يطلقوا عليه اسم الرسول لأنه قد أطلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوه من خصائص النبوة والرسالة الإلهية أدبا مع رسل الله عليهم السلام وإن كان هذا اللفظ قد أبيح لهم ولم ينهوا عنه ولكن لم يوجب عليهم فكان لزوم الأدب أولى مع من عرفنا الله أنه أعظم منا منزلة عنده وهذا لا يعرفه إلا الأدباء الورعون ثم إن لهؤلاء مرتبة أخرى في الورع وهي أنهم رضي الله عنهم يجتنبون كل أمر تقع فيه المزاحمة بين الأكوان ويطلبون طريقا لا يشاركهم فيها من ليس من جنسهم ولا من مقامهم فلا يزاحمون أحدا في شئ مما يتحققون به في نفوسهم ويتصفون به ويحبون من الله أن يدعوا به في الدنيا والآخرة وهو ما يكونون عليه من الأخلاق الإلهية فيكونون مع تحققهم بمعانيها وظهور أحكامها على ظواهرهم من الرحمة بعباد الله والتلطف بهم والإحسان إليهم والتوكل على الله والقيام بحدود الله ويظهرون في العالم أن جميع ما يرى عليهم إن ذلك فعل الله لا فعلهم وبيد الله لا بيدهم وأن المثنى عليه بذلك الفعل إنما ينبغي أن يتعلق ذلك الثناء بفاعله وفاعله هو الله جل جلاله لا نحن فيتبرءون من أفعالهم الحسنة غاية التبري ومن الأوصاف المستحسنة كذلك وكل وصف مذموم شرعا وعرفا يضيفونه إلى أنفسهم أدبا مع الله تعالى وورعا شافيا كما قال الخضر في العيب فأردت وفي الخير فأراد ربك وكما قال الخليل عليه السلام وإذا مرضت ولم يقل أمرضني وكما قال تعالى في معرض التعليم لنا وما أصابك من سيئة فمن نفسك هذا وإن كان الحق في هذا الخبر يحكى قولهم ولكن فيه تنبيه في التعليم وكما قال عليه السلام في دعائه وهو مما يؤيد ما ذهبنا إليه في التنبيه في هذه الآية فقال والخير كله بيديك فأكد بكل وهي كلمة تقتضي الإحاطة في اللسان وقال والشر ليس إليك وإن كان لم يؤكده واكتفى بالألف واللام ونفى أضافه الشر أدبا مع الله وحقيقة وهذه المسألة من أغمض المسائل الإلهية عند أهل الله خاصة وأما أهل النظر فقد اعتمدت كل طائفة منهم على ما اقتضاه دليلها في زعمها وهؤلاء الرجال الغالب عليهم

245

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 245
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست