وقد وجدنا في نفوسنا ممن جبل على الرحمة بحيث لو مكنه الله في خلقه لأزال صفة العذاب عن العالم .
والله قد أعطاه هذه الصفة ومعطي الكمال أحق به وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي ونحن عباد مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ولا شك أنه أرحم بخلقه منا .
وقد قال عن نفسه جل علاؤه إنه « أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » [1] فلا شك أنه أرحم منا بخلقه ونحن عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة وقد قام دليل العقلي على أن الباري لا ينفعه الطاعات ولا يضره المخالفات وإن كل شيء جار بقضائه وقدره وإن الخلق مجبورون في اختيارهم فكيف يسرمد العذاب عليهم [1] وجاء في الحديث : وآخر من يشفع هو أرحم الراحمين » فالآيات الواردة في حقهم بالتعذيب كلها حق وصدق وكلام أهل المكاشفة لا ينافيها لأن كون الشيء عذابا من وجه لا ينافي كونه رحمة من وجه آخر فسبحان من اتسعت [1] رحمته لأوليائه في شدة نقمته [1] واشتدت نقمته لأعدائه في [1] سعة رحمته .

[1] : س 12 ى 64 .
[1] : واعلم أن ترتب العذاب إنما هو على صور النيات وهذا الترتيب أمر قهري طبيعي نظير ترتب الآثار الطبيعية على ذوات الآثار مثل إحراق النار وبرودة الماء وحركة المادة إلى كمالاتها الناشية عن قضاء الله وقدره .
[1] : هذا ما أفاده المولى الموالي رئيس أهل الكشف واليقين علي عليه السّلام وقد شرحنا كلامه في شرح مقدمة القيصري .
[1] : مسألة خلود الكفار وانقطاع العذاب عنهم لا يلائم القواعد العقلية والآثار الواردة عن حمله الوحي عليه السّلام وقد عدل عن هذا القول المصنف العلامة ونحن قد ذكرنا تفصيل الاستدلال على بقاء الكفار في النار وعدم انقطاع العذاب وتخفيفه عن الكفرة لأن قوة العصيان ومخالفة الحق والملكات الحاصلة عن تكرر أفعال السيئة ! 320 بالحركات الجوهرية والتحولات الذاتية إذا رسخت بنيانه واستحكمت أساسه في النفس بحيث صارت داخلة في جوهر النفس لا تزول إلا بزوال النفس والنفس دائمي وما وقعت في باطن وجوده دائمي بدوام النفس .
[1] : في حاشية نسخة د ط التي كتب في زمان حياة المصنف العلامة قده ربما يظن في ظاهر الأمر أن بين ما ذكرناه أولا من دوام الآلام على أهل النار وبين أقوال هؤلاء المكاشفين مخالفة بينة لأنهم حكموا بانقطاع العذاب عنهم لكن الناقد البصير عند التحقيق يعلم أن لا تخالف بينهما لعدم المنافاة بين عدم انقطاع العذاب عن أهل النار وبين انقطاعه عن كل واحد من أهلها منه دام ظله .

319