للَّه ولأمره ونهيه من الشيطان الغويّ ، والنفس الأمّارة بالسوء ، والدنيا الغرور . وأمّا بالقياس إلى اللَّه تعالى فكلّ قيام عنده قعود ، وكلّ اعتدال عنده انحناء ، وكلّ إقامة صلب عنده انكسار ونحو ذلك ؛ لأنّ كلّ حيّ بالقياس إليه تعالى ميّت ، وكلّ عليم بالقياس إليه جاهل ، وكلّ قادر بالنسبة إليه عاجز ، حيث إنّ كلّ شيء بالقياس إلى وجهه الباقي هالك ، ولذلك قال أمير الموحّدين عليّ عليه السلام : « كلّ قويّ غيره ضعيف ، وكلّ مالك غيره مملوك ، وكلّ عالم غيره متعلَّم ، وكلّ قادر غيره يقدر ويعجز ، وكلّ سميع غيره يصمّ عن لطيف الأصوات ، ويصمّه كبيرها ، ويذهب عنه ما بعد منها ، وكلّ بصير غيره يعمى عن خفيّ الألوان ولطيف الأجسام ، وكلّ ظاهر غيره باطن ، وكلّ باطن غيره غير ظاهر . » [1] . فالمصلَّي المناجي ربّه لا بدّ وأن ينحني ، ويركع أو يسجد ليتمثّل ما هو السرّ في مرحلة التنزّل ، كما أنّ انحناء ظهره ومدّ عنقه للضرب ونحوه وإن كان ركوعا أو سجودا للَّه تعالى ولكنّه بالقياس إلى أعداء دين اللَّه تعالى قيام واعتدال ، كما أنّ القيام نفسه وإن كان للذبّ عن الدين قياما ولكنّه بالقياس إلى القيّوم المحض انخفاض وانحطاط ، حسبما يستفاد من قول مولى الموحّدين عليه السلام : « . غنى كلّ فقير ، وعزّ كلّ ذليل ، وقوّة كلّ ضعيف ، إذ كلّ شيء له داخر وساجد ، ولا يملك شيء لشيء نفعا ولا ضرّا » [2] . فالقويّ بالقياس إليه تعالى ضعيف أوّلا ، وبالقياس إلى أحياء أمره والدفاع عن دينه وإن كان قويّا ولكن لا بالذات وبالأصالة ، بل بالعرض والتبع ثانيا ؛ لأنّ قوّته كانت باللَّه الذي هو قوّة كلّ ضعف ، فلا يلتبس الأمر على أحد بأن يرى نفسه مقتدرا ، بل على الإنسان أن يعقل أوّلا ، ويقتديه جميع شؤون إدراكه وتحريكه الَّتي هي شيعة العقل وأمّته ثانيا ، بأنّه - بحول اللَّه تعالى وقوّته - يقوم ويقعد ، ويعتدل ، وينحني ، ويذبّ ويصول ، وما إلى ذلك من الأوصاف الَّتي يكون بعضها بالقياس