ومن المعلوم أنّ القراءة بوجودها الاعتباريّ لا تقدر على التأثير العينيّ ، بل بما لها من السرّ الوجوديّ ، والاسم أمر عينيّ مسبّب عن العيب والنقص ، فلذا أمر اللَّه سبحانه رسوله - صلَّى اللَّه عليه وآله - بالتسبيح له حيث قال تعالى * ( « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى » ) * [1] ، وذلك الاسم هو سرّ للاسم اللفظيّ الذي يقرأه المصلَّي . ولا خفاء في أنّ سرّ الاسم الأعظم هو أعظم الأسرار ، ولا ينال إلَّا بخرق الحجب طرّا كما مرّ في تكبيرات الافتتاحيّة ، ولذا ورد في حديث المعراج « . فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح أوحى اللَّه إليه : سمّ باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم في أوّل السورة » [2] . وحيث إنّ بسم اللَّه في أوّل كلّ سورة له معنى خاصّ مطابق لما تحتويه تلك السورة ، وكانت سورة الحمد كافلة لمعارف جمّة فبسم اللَّه الواقع في أوّلها جامع لتلك المعارف ، ولمّا كان إدراك تلك المعارف مرقاة إلى شهود إسرارها فلنأتي بشيء منها ؛ لأنّ الحرّ تكفيه الإشارة عن العبارة . إنّ الحمد إنّما هو تجاه النعمة ، والنظام الإمكانيّ من المعقول إلى المحسوس ، ومن الغيب إلى الشهادة نعمة إلهيّة أنعمها البارئ تعالى ، فهو تعالى مستحقّ للحمد ، ولا محمود سواه ، وحيث إنّه لا وجود حقيقيّ لغيره ، لأنّ كلّ ما سواه آيات ومظاهر له فهو مالك بالاستقلال لما يصدر عن ما عداه ، فالحمد المتمشّي من غيره إنّما هو مظهر للحمد الناشئ منه تعالى ، فلا حامد عداه ، فهو الحميد بالمعنى المطلق ، أي : الحامد والمحمود . وقد علَّل في هذه السورة استحقاقه تعالى للحمد بأمور خمسة ، بعضها جامع ومتن ، وبعضها الآخر شرح لذلك المتن : الأوّل : - أي : ما هو بمنزلة المتن - هو عنوان « اللَّه » ؛ لأنّه جامع لجميع الكمالات ، وكلّ من جمع الكمال فهو محمود ، فاللَّه محمود فله الحمد ، وهذا القسم
[1] الأعلى : 1 . [2] جامع أحاديث الشيعة : ج 5 ص 10 .