والغرض : هو أنّ العبد إذا أحسّ ذلَّته وأدركها واعترف بها وتذلَّل لمولاه الذي له العزّة جميعا ينال ما أعدّ له من العزّة العرضيّة ، ويقول كما كان الصادق - عليه السّلام - يقول وهو ساجد : « سجد وجهي اللئيم لوجه ربّي الكريم » [1] . ثمّ إنّه من كان يريد العزّة فليعلم : أنّ العزّة للَّه جميعا ، ولا ينال شيئا منها إلَّا بنفيها عن نفسه وعن غيره ، أي : عمّا سوى اللَّه ، وذلك إنّما يتجلَّى في السجود المشفوع بما يمثّل الذلَّة ، حتّى يقترن الفعل والقول ، ويشهدا على صاحبهما بالذلَّة الصادقة ، الموجبة لاكتساب العزّة الَّتي هي بالعرض للرسول وللمؤمنين ، ولعلّ من هذا القبيل ما قاله الصادق - عليه السّلام - لإسحاق بن عمّار : « إنّي كنت أمهّد لأبي فراشه ، فأنتظره حتّى يأتي ، فإذا أوى إلى فراشه ونام قمت إلى فراشي ، وأنّه أبطأ عليّ ذات ليلة ، فأتيت المسجد في طلبه ، وذلك بعد ما هدأ الناس ، فإذا هو في المسجد ساجد ، وليس في المسجد غيره ، فسمعت حنينه ، وهو يقول : « سبحانك اللَّهمّ أنت ربّي حقّا حقّا ، سجدت لك يا ربّ تعبّدا ورقّا ، اللَّهمّ إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي ، اللَّهمّ قني عذابك يوم تبعث عبادك ، وتب عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم » [2] . ولقد تأسّى بهؤلاء المعصومين عليهم السّلام - الَّذين هم ساسة العباد وقادتهم ، وأركان البلاد وأعمدتها ، بحيث لولاهم لساخت الأرض بأهلها - غير واحد من الصحابة في طول السجود ، والتذلَّل المستمر . وإليك نبذ من نزر : قال الفضل بن شاذان : دخلت العراق فرأيت واحدا يعاتب صاحبه ويقول له : أنت رجل عليك عيال ، وتحتاج أن تكتسب عليهم ، وما آمن أن تذهب عيناك لطول سجودك ، فلمّا أكثر عليه قال : أكثرت عليّ ، ويحك ، لو ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن أبي عمير ، ما ظنّك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة
[1] جامع أحاديث الشيعة : ج 5 ص 463 . [2] جامع أحاديث الشيعة : ج 5 ص 464 .