بسرّه ، كما أنّ أحباء كلّ ذكر لما هو ميّت في حجاب ذاته ووضعه وفعله إنّما هو بذلك السرّ ، وكان ذكر الإمام المعصوم - عليه السّلام - وسجوده حيّا بسرّه ، لذا كان ذكره محييا للأموات ، وموقظا للنيام وإن كان كلّ شيء حيّا متيقّظا في باطنه . ومن هذا القبيل : ما روي عن سعيد بن المسيّب قال : كان القوم لا يخرجون من مكَّة حتّى يخرج عليّ بن الحسين سيّد العابدين عليه السّلام ، فخرج فخرجت معه ، فنزل في بعض المنازل وصلَّى ركعتين ، فسبّح في سجوده فلم يبق شجر ولا مدر إلَّا سبّحوا معه ، ففزعنا ، فرفع - عليه السّلام - رأسه وقال : يا سعيد ، أفزعت ؟ فقلت : نعم ، يا ابن رسول اللَّه ، فقال عليه السّلام : هذا التسبيح الأعظم . [1] . والذي يمكن القول في تأثير مثل هذا التسبيح الأعظم : أوّلا : هو تعليم الشجر والمدر ونحو هما بلسان التكوين ، بما هو لم يكن معلوما له قبل ذلك وإن كان أصل التسبيح معلوما ومقدورا له . وثانيا : هو تأويب ذلك مع الإمام المعصوم - عليه السّلام - تأسّيا به كما تأسّى بداود - عليه السّلام - حين أمر اللَّه سبحانه بذلك ، كما قال تعالى * ( « يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَه ُ » ) * [2] فقد اجتمعوا معه ، وذكروا اللَّه ووحّدوه معه كما هو المعروف في الائتمام بإمام الجماعة . وثالثا : هو رفع الحجاب والغطاء عن إسماع هؤلاء الَّذين كانوا مع السجّاد عليه السّلام ، وأبصارهم ، حتّى سمعوا تسبيح الشجر والمدر وفقهوا ذلك ، بعد ما كانوا جاهلين به ، كما قال سبحانه * ( « إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » ) * [3] ، إلى غير ذلك ممّا يمكن أن يناله المتدبّر في سرّ التسبيح الأعظم وتأثيره في الكيان ، حينما يعترف بأنّه غير مختصّ بالإمام المعصوم - عليه السّلام - وإن كان الحدّ السامي منه مخصوصا بأهل العصمة عليهم السّلام ،
[1] جامع أحاديث الشيعة : ج 5 ص 460 . [2] سبأ : 10 . [3] الإسراء : 44 .