ومن علل اصطفاء موسى الكليم - عليه السّلام - هو : توغَّله في التذلَّل للَّه ، المتجلَّي ذلك بإلصاقه - عليه السّلام - خدّه الأيمن والأيسر بالأرض بعد الصلاة ، وحيث علم موسى - عليه السّلام - أنّ اللَّه اصطفاه لتذلَّله زاد في ذلَّته فخرّ ساجدا ، وعفر خدّيه في التراب ، فأوحى اللَّه إليه : ارفع رأسك يا موسى ، وأمرّ يدك موضع سجودك ، وامسح بها وجهك ، وما نالته من بدنك فإنّه أمان من كلّ سقم وداء وآفة وعاهة [1] . ولمّا كان سرّ السجود هو التذلَّل للَّه تعالى ، والتذلَّل له موجب للتقرّب منه كما في آخر سورة اقرأ - وذلك لأنّ المتذلَّل للَّه لا يحجبه شيء ، فإذا لم يكن له حجاب ، وكان الراحل إلى اللَّه قريب المسافة ، كما في دعاء أبي حمزة الثماليّ - فهو يصل إلى لقاء اللَّه ، ومن كان أذلّ في نفسه للَّه فهو أقرب منه ، وكما في دعاء زين العابدين - المعروف بالسجّاد - : « وأنا بعد أقلّ الأقلَّين ، وأذلّ الأذلَّين ، ومثل الذرّة أو دونها » [2] . فهو - عليه السّلام - أقرب الأقربين ، وأعزّ الأعزّين لدى اللَّه سبحانه . وحيث إنّه لا ميز في الأصول العامّة الهامّة للإمامة فأئمّة أهل البيت - عليهم السّلام - كلَّهم على هذا المنهج القويم ، بل قد روي في أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام : « إنّه كان أوّل من سجد للَّه شكرا ، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمّة بعد رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله » [3] ، وكان عليّ - عليه السلام - يقول في سجوده : « أناجيك يا سيّدي كما يناجي العبد الذليل مولاه . » [4] . وحيث إنّ حياة كلّ ذكر من التهليل والتحميد والتسبيح والتكبير إنّما هي
[1] جامع أحاديث الشيعة : ج 5 ص 452 . [2] الصحيفة السجّاديّة : دعاء 47 ص 262 طبع مؤسسة النشر الإسلامي - قم . [3] جامع أحاديث الشيعة : ج 5 ص 476 . [4] المصدر السابق : ص 458 .