نام کتاب : اختيار مصباح السالكين نویسنده : ابن ميثم البحراني جلد : 1 صفحه : 454
وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين وكانوا أقواما مستضعفين ، وقد اختبرهم اللَّه بالمخمصة ، وابتلاهم بالمجهدة ، وامتحنهم بالمخاوف ، ومحصّهم بالمكاره ، فلا تعتبروا الرّضا والسّخط بالمال والولد جهلا بمواقع الفتنة ، والاختبار فى مواضع الغنى والاقتدار ، وقد قال سبحانه وتعالى * ( ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِه مِنْ مالٍ وبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ ) ) * [1] فإنّ اللَّه - سبحانه - يختبر عباده المستكبرين فى أنفسهم ، بأوليائه المستضعفين فى أعينهم . ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون ، عليهما السّلام على فرعون وعليهما مدارع الصّوف وبأيديهما العصىّ فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزّه فقال : « ألا تعجبون من هذين يشرطان لى دوام العزّ وبقاء الملك وهما بما ترون من حال الفقر والذّلّ ، فهلَّا القى عليهما أساورة من ذهب » إعظاما للذّهب وجمعه ، واحتقارا للصّوف ولبسه . ولو أراد اللَّه سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان ، ومعادن العقيان ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر معهم طير السّماء ووحوش الأرض لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحلَّت الأنباء ، ولما وجب للقابلين أجور المبتلين ، ولا استحقّ المؤمنون ثواب المحسنين ، ولا لزمت الأسماء معانيها ، ولكنّ اللَّه سبحانه جعل رسله أولى قوّة فى عزائمهم وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم ، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى ، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى . ولو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام ، وعزّة لا تضام ، وملك تمتدّ نحوه أعناق الرّجال ، وتشدّ إليه عقد الرّحال ، لكان ذلك أهون على الخلق فى الاعتبار ، وأبعد لهم فى الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، فكانت النّيّات مشتركة ، والحسنات مقتسمة ، ولكنّ اللَّه - سبحانه - أراد أن يكون الاتّباع لرسله ، والتّصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام لطاعته ، أمورا له خاصّة لا يشوبها من غيرها شائبة وكلَّما كانت البلوى والاختبار أعظم ، كانت المثوبة والجزاء أجزل . ألا ترون أنّ اللَّه سبحانه اختبر الأوّلين من لدن آدم ، صلوات اللَّه عليه ، إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تبصر فجعلها بيته الحرام الَّذي جعله