responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 93


فيكون منتفعا ، وحال بذل لغيره فيكون به سخيا متفضلا ، وهو أشرف أحواله . فكذلك العلم يقتنى كما يقتنى المال ، فله حال طلب واكتساب ، وحال تحصيل يغنى عن السؤال ، وحال استبصار وهو التفكر في المحصّل والتمتع به ، وحال تبصير وهو أشرف الأحوال . فمن علم وعمل وعلَّم فهو الذي يدعى عظيما في ملكوت السموات ، فإنه كالشمس تضيء لغيرها وهي مضيئة في نفسها ، وكالمسك الذي يطيّب غيره وهو طيب . والذي يعلم ولا يعمل به كالدفتر الذي يفيد غيره وهو خال عن العلم ، وكالمسن الذي يشحذ غيره ولا يقطع ، والإبرة التي تكسو غيرها وهي عارية ، وذبالة المصباح تضيء لغيرها وهي تحترق ، كما قيل :
< شعر > ما هو إلا ذبالة وقدت تضيء للناس وهي تحترق < / شعر > ومهما اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما ، فليحفظ آدابه ووظائفه الوظيفة الأولى - الشفقة على المتعلمين ، وأن يجريهم مجرى بنيه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ 1 ] « إنّما أنا لكم مثل الوالد لولده » بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة ، وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا ، ولذلك صار حق المعلم أعظم من حق الوالدين ، فان الوالد سبب الوجود الحاضر والحياة الفانية ، والمعلم سبب الحياة الباقية ، ولو لا المعلم لانساق ما حصل من جهة الأب إلى الهلاك الدائم ، وإنما المعلم هو المفيد للحياة الأخروية الدائمة ، أعنى معلم علوم الآخرة ، أو علوم الدنيا على قصد الآخرة لا على قصد الدنيا ، فأما التعليم على قصد الدنيا فهو هلاك وإهلاك ، نعوذ با لله منه . وكما أن حق أبناء الرجل الواحد أن يتحابوا ويتعاونوا على المقاصد كلها ، فكذلك حق تلامذه الرجل الواحد التحاب والتوادد ، ولا يكون إلا كذلك إن كان مقصدهم الآخرة ، ولا يكون إلا التحاسد والتباغض إن كان مقصدهم الدنيا ، فان العلماء وأبناء الآخرة مسافرون إلى الله تعالى ، وسالكون إليه الطريق من الدنيا ، وسنوها وشهورها منازل الطريق ، والترافق في الطريق بين المسافرين إلى الأمصار سبب التواد والتحاب ، فكيف السفر إلى الفردوس الأعلى والترافق في طريقه ولا ضيق في سعادة الآخرة ؟ فلذلك لا يكون بين أبناء الآخرة تنازع ، ولا سعة في سعادات الدنيا ، فلذلك لا ينفك عن ضيق التزاحم .

93

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 93
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست