نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 72
كان عادة الصحابة رضى الله عنهم في مشاوراتهم : كتشاورهم في مسألة الجد والإخوة ، وحدّ شرب الخمر ، ووجوب الغرم على الإمام إذا أخطأ ، كما نقل من إجهاض المرأة جنينها خوفا من عمر رضى الله عنه ، وكما نقل من مسائل الفرائض وغيرها ، وما نقل عن الشافعي وأحمد ومحمد ابن الحسن ومالك وأبي يوسف وغيرهم من العلماء ، رحمهم الله تعالى ويطلعك على هذا التلبيس ما أذكره ، وهو أن التعاون على طلب الحق من الدين ، ولكن له شروط وعلامات ثمان : الأول - أن لا يشتغل به وهو من فروض الكفايات من لم يتفرغ من فروض الأعيان . ومن عليه فرض عين فاشتغل بفرض كفاية وزعم أن مقصده الحق فهو كذاب ، ومثاله من يترك الصلاة في نفسه ويتجرد في تحصيل الثياب ونسجها ويقول : غرضي أستر عورة من يصلى عريانا ولا يجد ثوبا ، فان ذلك ربما يتفق ، ووقوعه ممكن ، كما يزعم الفقيه أن وقوع النوادر التي عنها البحث في الخلاف ممكن ، والمشتغلون بالمناظرة مهملون لأمور هي فرض عين بالاتفاق . ومن توجه عليه ردّ وديعة في الحال فقام وأحرم بالصلاة التي هي أقرب القربات إلى الله تعالى عصى به ، فلا يكفي في كون الشخص مطيعا كون فعله من جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت والشرط والترتيب . الثاني - أن لا يرى فرض كفاية أهم من المناظرة ، فان رأى ما هو أهم وفعل غيره عصى بفعله ، وكان مثاله مثال من يرى جماعة من العطاش أشرفوا على الهلاك وقد أهملهم الناس وهو قادر على إحيائهم بأن يسقيم الماء ، فاشتغل بتعلم الحجامة وزعم أنه من فروض الكفايات ، ولو خلا البلد عنها لهلك الناس ، وإذا قيل له في البلد جماعة من الحجامين وفيهم غنية ، فيقول : هذا لا يخرج هذا الفعل عن كونه فرض كفاية . فحال من يفعل هذا ويهمل الاشتغال بالواقعة الملمة بجماعة العطاش من المسلمين كحال المشتغل بالمناظرة وفي البلد فروض كفايات مهملة لا قائم بها . فأما الفتوى فقد قام بها جماعة ولا يخلو بلد من جملة الفروض المهملة ولا يلتفت الفقهاء إليها ، وأقر بها الطب ، إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبيب مسلم يجوز اعتماد شهادته فيما يعول فيه على قول الطبيب شرعا ، ولا يرغب أحد من الفقهاء في الاشتغال به . وكذا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فهو من فروض الكفايات ، وربما يكون المناظر في مجلس مناظرته مشاهدا للحرير ملبوسا ومفروشا وهو ساكت ، ويناظر في مسألة لا يتفق وقوعها قط ، وإن وقعت قام بها
72
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 72