responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 71


حرم ومنهم من أنجح ، والمنجح لم يخل من ذل الطلب ومهانة الابتذال ، فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين ، وبعد أن كانوا أعزة بالإعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم ، إلا من وفقه الله تعالى في كل عصر من علماء دين الله . وقد كان أكثر الإقبال في تلك الأعصار على علم الفتاوى والأقضية لشدّة الحاجة إليها في الولايات والحكومات ، ثم ظهر بعدهم من الصدور والأمراء من يسمع مقالات الناس في قواعد العقائد ، ومالت نفسه إلى سماع الحجج فيها ، فعلمت رغبته إلى المناظرة والمجادلة في الكلام ، فأكب الناس على علم الكلام ، وأكثروا فيه التصانيف ، ورتبوا فيه طرق المجادلات ، واستخرجوا فنون المناقضات في المقالات ، وزعموا أن غرضهم الذب عن دين الله والنضال عن السنة وقمع المبتدعة ، كما زعم من قبلهم أن غرضهم بالاشتغال بالفتاوى الدين وتقلد أحكام المسلمين ، إشفاقا على خلق الله ونصيحة لهم ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من لم يستصوب الخوض في الكلام وفتح باب المناظرة فيه ، لما كان قد تولد من فتح بابه من التعصبات الفاحشة والخصومات الفاشية المفضية إلى إهراق الدماء وتخريب البلاد ، ومالت نفسه إلى المناظرة في الفقه ، وبيان الأولى من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما على الخصوص ، فترك الناس الكلام وفنون العلم ، وانثالوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة على الخصوص ، وتساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد رحمهم الله تعالى وغيرهم ، وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذهب وتمهيد أصول الفتاوى ، وأكثروا فيها التصانيف والاستنباطات ، ورتبوا فيها أنواع المجادلات والتصنيفات ، وهم مستمرون عليه إلى الآن ، ولسنا ندرى ما الذي يحدث الله فيما بعدنا من الأعصار . فهذا هو الباعث على الاكباب على الخلافيات والمناظرات لا غير ، ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى الخلاف مع إمام آخر من الأئمة أو إلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضا معهم ، ولم يسكتوا عن التعلل بأن ما اشتغلوا به هو علم الدين ، وأن لا مطلب لهم سوى التقرب إلى رب العالمين .
بيان التلبيس في تشبيه هذه المناظرات بمشاورات الصحابة ومفاوضات السلف اعلم أن هؤلاء قد يستدرجون الناس إلى ذلك بأن غرضنا من المناظرات المباحثة عن الحق ليتضح ، فان الحق مطلوب والتعاون على النظر في العلم وتوارد الخواطر مفيد ومؤثر ، هكذا

71

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 71
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست