تطهر لتنجس المطروح بها فينجسها بعد انقلابها خلا ، وقيل : لاستعجاله بالمعالجة المحرمة فعوقب بضد قصده ، وينبغي على العلتين الخلاف في مسألة النقل المذكورة . فإن قيل : لو عبر بالوقوع بدل الطرح لكان أولى لئلا يرد عليه ما لو وقع فيها شئ بغير طرح كإلقاء ريح فإنها لا تطهر معه على الأصح . أجيب بأنه إنما ذكر ذلك لأجل الخلاف القائل بالمعالجة المحرمة وإن كان الحكم فيما ذكر كذلك . نعم لو عصر العنب ووقع منه بعض حبات في عصيره لم يمكن الاحتراز عنها ينبغي أنها لا تضر ، ولو نزع العين الطاهرة منها قبل التخلل لم يضر لفقد العلة بخلاف العين النجسة ، لأن النجس يقبل التنجيس فلا يطهر بالتخلل ، ولو ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل لم يطهر الدن إذ لا ضرورة ، ولا الخل لاتصالها بالمرتفع النجس . فلو غمر المرتفع بخمر طهرت بالتخلل ولو بعد جفافه خلافا للبغوي في تقييده بقبل الجفاف ، ولو نقلت من دن إلى آخر طهرت بالتخلل بخلاف ما لو أخرجت منه ثم صب فيه عصير فتخمر ثم تخلل . والخمر هي المشتدة من ماء العنب كما مر . ويؤخذ من الاقتصار عليها أن النبيذ وهو المتخذ من غير العنب كالتمر لا يطهر بالتخلل ، وبه صرح القاضي أبو الطيب ، لتنجس الماء به حالة الاشتداد فينجسه بعد الانقلاب خلا . وقال البغوي : يطهر ، واختاره السبكي ، لأن الماء من ضرورته ، وهذا هو المعتمد . ويدل له ما صرحوا به في باب الربا من أنه لو باع خل تمر بخل عنب أو خل زبيب بخل غالب رطب صح ، ولو اختلط عصير بخل مغلوب ضر لأنه لقلة الخل فيه يتخمر فيتنجس به بعد تخلله ، أو بخل غالب فلا يضر لأن الأصل والظاهر عدم التخمر ، وأما المساوي فينبغي إلحاقه بالخل الغالب لما ذكر . فائدة : قال الحليمي : قد يصير العصير خلا من غير تخمر في ثلاث صور : إحداها : أن يصب في الدن المعتق بالخل . ثانيها : أن يصب الخل في العصير فيصير بمخالطته خلا من غير تخمر ، لكن محله كما علم مما مر أن لا يكون العصير غالبا . ثالثها : إذا تجردت حبات العنب من عناقيده ويملا منها الدن ويطين رأسه ، ويجوز إمساك ظروف الخمر والانتفاع بها واستعمالها إذا غسلت وإمساك المحترمة لتصير خلا ، وغير المحترمة يجب إراقتها ، فلو لم يرقها فتخللت طهرت على الصحيح كما مر . ( و ) ثانيهما : ( جلد نجس بالموت ) ولو من غير مأكول ، ( فيطهر بدبغه ) يعني باندباغه ولو بإلقاء الدابغ عليه بنحو ريح أو إلقائه على الدابغ كذلك . ( ظاهره ) وهو ما لاقى الدابغ ، لقوله ( ص ) : أيما إهاب دبغ فقد طهر رواه مسلم ، وفيه وفي البخاري : هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به . ( وكذا باطنه ) وهو ما لم يلاق الدابغ ، ( على المشهور ) لظاهر الخبرين المتقدمين . والثاني : يقول آلة الدبغ لا تصل إلى الباطن ، ودفع بأنها تصل إليه بواسطة الماء أو رطوبة الجلد ، فعلى الثاني لا يصلى فيه ولا يباع ولا يستعمل في الشئ الرطب . وأما على الأول فهو كالثوب المتنجس كما سيأتي . وخرج بالجلد الشعر لعدم تأثره بالدبغ ، ويؤخذ مما مر من أنه يطهر بالدبغ باطن الجلد أنه لو نتف الشعر بعد الدبغ صار موضعه متنجسا يطهر بالغسل وهو كذلك . قال المصنف : ويعفى عن قليله فيطهر تبعا . واستشكله الزركشي بأن ما لا يتأثر بالدبغ كيف يطهر قليله وأجاب بأن قوله يطهر ، أي يعطى حكم الطاهر اه . وهذا مأخوذ من قوله ويعفى ، وهذا هو الظاهر . وبعضهم وجه كلام المصنف بأنه يطهر تبعا للمشقة ، وقال السبكي : الذي اختاره وأفتي به أن الشعر يطهر مطلقا لخبر في صحيح مسلم اه . وينجس بالموت جلد نحو الكلب فإنه لا يطهر بالدباغ لأن الحياة في إفادة الطهارة أبلغ من الدبغ ، والحياة لا تقيد طهارته . ( والدبغ نزع فضوله ) وهي مائيته ورطوباته التي يفسده بقاؤها ويطيبه نزعها ، بحيث لو تقع في الماء لم يعد إليه النتن والفساد . وذلك إنما يحصل ( بحريف ) بكسر الحاء المهملة وتشديد الراء : ما يحرف الفم ، أي يلذع اللسان بحرافته - قاله الجوهري - كالقرظ والعفص وقشور الرمان والشث بالمثلثة ، وهو شجر مر الطعم طيب الريح يدبغ به ، والشب بالموحدة من جواهر الأرض معروف يشبه الزاج يدبغ به أيضا ، ولا فرق في ذلك بين الطاهر كما مر ، والنجس كذرق الطيور . ( لا شمس وتراب ) وتجميد وتمليح مما لا ينزع الفضول وإن جف الجلد وطابت رائحته ، لأن الفضلات لم تزل وإنما جمدت ، بدليل أنه لو تقع في الماء عادت إليه العفونة . ( ولا يجب الماء في أثنائه ) أي