وعبر في الروضة بالمذهب ، ( وجوب ركوب البحر ) بسكون الحاء ويجوز فتحها ، لمن لا طريق له وغيره ولو امرأة . ( إن غلبت السلامة ) في ركوبه ، كسلوك طريق البر عند غلبة السلامة ، فإن غلب الهلاك أو استوى الامر إن لم يجب ، بل يحرم في الأول قطعا ، وفي الثاني على الصحيح في زيادة الروضة والمجموع لما فيه من الخطر . والثاني : لا يجب مطلقا لما فيه من الخوف والخطر وتعسر دفع عوارضه . والثالث : يجب مطلقا لاطلاق الأدلة . وقيل : يجب على الرجل دون المرأة ، وإذا لم نوجب ركوبه وجوزناه استحب للرجل دون المرأة على الأصح ، وإذا لم نجوزه فركبه لعارض ، فإن كان ما بين يديه أكثر مما قطعه فله الرجوع إلى وطنه ، أو ما بين يديه أقل أو تساويا فلا رجوع له بل يلزمه التمادي لقربه من مقصده في الأول واستواء الجهتين في حقه في الثاني . وهذا بخلاف جواز تحلل المحرم إذا أحاط به العدو ، لأن المحصر محبوس وعليه في مصابرة الاحرام مشقة بخلاف راكب البحر ، نعم إن كان محرما كان كالمحصر . فإن قيل : كيف يصح القول بوجوب الذهاب ومنعه من الانصراف مع أن الحج على التراخي ؟ أجيب بأن صورة المسألة فيمن خشي العضب أو أحرم بالحج وضاق وقته أو نذر أن يحج تلك السنة ، أو أن المراد بذلك استقرار الوجوب ، هذا إن وجد بعد الحج طريقا آخر في البر وإلا فله الرجوع لئلا يتحمل زيادة الخطر بركوب البحر في رجوعه . قال الأذرعي : وما ذكروه من الكثرة والتساوي المتبادر منه النظر إلى المسافة وهو صحيح عند الاستواء في الخوف في جميع المسافة ، أما لو اختلف فينبغي أن ينظر إلى الموضع المخوف وغيره حتى لو كان أمامه أقل مسافة لكنه أخوف أو هو المخوف لا يلزمه التمادي ، وإن كان أقل مسافة ولكنه سليم وخلف المخوف وراءه لزمه ذلك اه . وهو بحث حسن . ولا خطر في الأنهار العظيمة كجيحون وسيحون والدجلة فيجب ركوبها مطلقا إذا تعين طريقا ، لأن المقام فيها لا يطول والخطر فيها لا يعظم ، لأن جانبها قريب يمكن الخروج إليه سريعا بخلاف البحر . قال الأذرعي : وكان التصوير فيما إذا كان يقطعها عرضا ، أما لو كان السير فيها طولا فهي في كثير من الأوقات كالبحر وأخطر اه . وهو كما قال خصوصا أيام زيادة النيل ، وقد قال تعالى : * ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) * . ( و ) الأظهر ( أنه يلزمه أجرة البذرقة ) وهي بموحدة مفتوحة وذال ساكنة معجمة ومهملة ، عجمية معربة : الخفارة لأنها أهبة من أهب الطريق مأخوذة بحق ، فكانت كأجرة الدليل إذا لم يعرف الطريق إلا به . والمراد أنه إذا وجد من يأخذ منه أجرة المثل ويخفره بحيث يأمن معه في غالب الظن وجب استئجاره على الأصح كما في الروضة وغيرها عن الامام وصححه ابن الصلاح ، وقال السبكي : إنه ظاهر في الدليل وإن كانت عبارة الأكثرين مشعرة بخلافه . والثاني ، وأجاب به العراقيون والقاضي وجزم به في التنبيه ، وأقره المصنف في تصحيحه ، ونقله ابن الرفعة عن النص : لا تلزمه ، لأنها خسران لدفع الظلم ، فأشبه التسليم إلى الظالم فلا يجب الحج مع طلبها . ومع هذا فالمعتمد الأول . تنبيه : تبع المصنف المحرر في حكاية الخلاف في هذه المسألة قولين ، ولكن الذي في المجموع والروضة كأصلها وجهان . ( ويشترط ) في وجوب النسك ، ( وجود الماء والزاد في المواضع المعتاد حمله منها بثمن المثل ) فإن لم يوجدا أو أحدهما ، كأن كان عام جدب وخلا بعض المنازل من أهلها أو انقطعت المياه أو وجد بأكثر من ثمن المثل لم يلزمه النسك ، لأنه إن لم يحمل ذلك معه خاف على نفسه ، وإن حمله عظمت المؤنة إلا أن تكون زيادة يسيرة فتغتفر . ولا يجري فيه الخلاف في شراء الماء للطهارة ، لأن الطهارة لها بدل بخلاف الحج ، قاله الدميري . ( وهو ) أي ثمن المثل ، ( القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان ) وإن غلت الأسعار . قال الرافعي : ويجب حمل الماء والزاد بقدر ما جرت العادة به في طريق مكة كحمل الزاد من الكوفة إلى مكة وحمل الماء من مرحلتين أو ثلاث . قال الأذرعي : وكان هذا عادة طريق العراق ، وإلا فعادة الشام حمله غالبا بمفازة تبوك ، وهي ضعف ذلك اه . وكذا عادة أهل مصر حمله إلى العقبة