أحدكم صائما فليفطر على التمر ، فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور رواه الترمذي وغيره وصححوه . والاستدراك على النصوص بغير دليل ممنوع ، والخير كله فيما شرعه لنا رسول الله ( ص ) . فإن قيل : قد صرح الأطباء بأن أكل التمر يضعف البصر فكيف يعلل بأنه يرده ؟ أجيب بأن كثيره يضعفه وقليله يقويه ، والشئ قد ينفع قليله ويضر كثيره . ويسن السحور لخبر الصحيحين : تسحروا فإن في السحور بركة ولخبر الحاكم في صحيحه : استعينوا بطعام السحر على صيام النهار ، وبقيلولة النهار على قيام الليل . ( و ) يسن ( تأخير السحور ما لم يقع في شك ) في طلوع الفجر ، لخبر : لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور رواه الإمام أحمد ، ولأنه أقرب إلى التقوي على العبادة ، فإن شك في ذلك كأن تردد في بقاء الليل لم يسن التأخير ، بل الأفضل تركه للخبر الصحيح : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك . تنبيه : السحور بفتح السين المأكول في السحر ، وبضمها الاكل حينئذ ، وأكثر ما يروى بالفتح . وقيل : إن الصواب الضم لأن الاجر والبركة في الفعل ، على أن الآخر لا يمتنع على سبيل المجاز . وهل الحكمة في السحور التقوي على الصوم أو مخالفة أهل الكتاب ؟ وجهان : وقد يقال إنها لهما . ولو صرح المصنف بسنه كما قدرته وصرح به في المحرر لكان أولى فإن استحبابه مجمع عليه ، وذكر في المجموع أنه يحصل بكثير المأكول وقليله وبالماء ، ففي صحيح ابن حبان : تسحروا ولو بجرعة ماء . ويدخل وقته بنصف الليل كما ذكره الرافعي في الايمان وذكره في المجموع هنا . وقيل : بدخول السدس الأخير . ( وليصن ) أي الصائم ندبا ( لسانه عن ) الفحش من ( الكذب والغيبة ) والنميمة والشتم ونحوها ، لخبر البخاري : من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ، ولخبر الحاكم في صحيحه : ليس الصيام من الأكل والشرب فقط الصيام من اللغو والرفث ولأنه يحبط الثواب . فإن قيل : صون اللسان عن ذلك واجب . أجيب بأن المعنى أنه يسن للصائم من حيث الصوم ، فلا يبطل صومه بارتكاب ذلك بخلاف ارتكاب ما يجب اجتنابه من حيث الصوم كالاستقاءة . قال السبكي : وحديث : خمس يفطرن الصائم : الغيبة والنميمة . إلى آخره ضعيف وإن صح . قال الماوردي : فالمراد بطلان الثواب لا الصوم . قال : ومن هنا حسن عدم الاحتراز عنه من آداب الصوم وإن كان واجبا مطلقا ، فإن شتمه أحد فليقل إني صائم لخبر الصحيحين : الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم - مرتين يقول بقلبه لنفسه لتصبر ولا تشاتم فتذهب بركة صومها كما نقله الرافعي عن الأئمة ، أو بلسانه بنية وعظ الشاتم ودفعه بالتي هي أحسن كما نقله المصنف عن جمع وصححه ، ثم قال : فإن جمعهما فحسن . وقال : إنه يسن تكراره مرتين أو أكثر لأنه أقرب إلى إمساك صاحبه عنه ، وقول الزركشي ولا أظن أحدا يقوله ، مردود بالخبر السابق . فائدة : سئل أكثم بن صيفي : كم وجدت في ابن آدم من عيب ؟ قال : هي أكثر من أن تحصى ، والذي أحصيته منها ثمانية آلاف عيب ، ويستر جميع ذلك حفظ اللسان . ( و ) ليصن ( نفسه ) ندبا ( عن الشهوات ) التي لا تبطل الصوم من المشمومات والمبصرات والملموسات والمسموعات كشم الرياحين والنظر إليها ولمسها وسماع الغناء ، لما في ذلك من الترفه الذي لا يناسب حكمة الصوم ، وهي لتنكسر النفس عن الهوى وتقوى على التقوى ، بل يكره له ذلك . ( ويستحب أن يغتسل عن الجنابة ) والحيض والنفاس ( قبل الفجر ) ليكون على طهر من أول الصوم ، وليخرج من خلاف أبي هريرة حيث قال : لا يصح صومه ، وخشية من وصول الماء إلى باطن أذن أو دبر أو نحوه . قال بعض المتأخرين : وينبغي أن يغسل هذه المواضع إن لم يتهيأ له الغسل الكامل . قال الأسنوي : وقياس المعنى الأول المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام نهارا ، فلو وصل شئ من الماء إلى ما ذكر من غسله ففيه التفصيل المذكور في المضمضة والاستنشاق . وقال المحاملي والجرجاني : يكره للصائم دخول الحمام - يعني من غير حاجة - لجواز أن يضره فيفطر .