يسجد شكرا محدثا فتطهر عن قرب سجد وإلا فلا . ولا تستحب القراءة لآية سجدة أو أكثر بقصد السجود ، بل تكره القراءة بقصده في الصلاة ، ومنع ابن عبد السلام من ذلك وأفتى ببطلان الصلاة ، وهو المعتمد . ومحل الخلاف في غير صلاة صبح الجمعة ، أما فيها لقراءة سجدة ألم تنزيل فإنها لا تبطل كما قاله البلقيني وأفتى به شيخي ، لأن قراءة السجدة فيها مسنونة . ولو قرأ آية سجدة ليسجد في الأوقات المكروهة حرم عليه السجود ، وسواء قرأ في أوقات الكراهة أم قبلها ، وإن كان في صلاة بطلت صلاته بالسجود كما أفتى به ابن عبد السلام . وفي الروضة والمجموع : لو أراد أن يقرأ آية سجدة أو آيتين فيهما سجدة ليسجد فلم أر فيه نقلا عندنا ، وفي كراهته خلاف للسلف . ومقتضى مذهبنا أنه إن كان في غير وقت الكراهة وفي غير الصلاة لم يكره ، وإلا ففي كراهته الوجهان فيمن دخل المسجد في وقت الكراهة لا لغرض سوى التحية ، وهذا إذا لم يتعلق بالقراءة غرض سوى السجود وإلا فلا كراهة مطلقا قطعا اه . ثم شرع في السجدة الثالثة فقال : ( وسجدة الشكر لا تدخل الصلاة ) لأن سببها ليس له تعلق بالصلاة ، فلو سجدها فيها عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته . ( وتسن لهجوم ) أي حدوث ( نعمة ) كحدوث ولد أو جاه أو مال أو قدوم غائب أو نصر على عدو ( أو اندفاع نقمة ) كنجاة من حريق أو غرق ، لما روى أبو داود وغيره : أنه ( ص ) كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدا . وروى أبو داود بإسناد حسن أنه ( ص ) قال : سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فسجدت شكرا لربي ، ثم رفعت رأسي فسألت ربي فأعطاني ثلث أمتي فسجدت شكرا لربي ، ثم رفعت رأسي فسألت ربي فأعطاني الثلث الآخر ، فسجدت شكرا لربي . وخرج بالحدوث الاستمرار كالعافية والاسلام والغنى عن الناس ، لأن ذلك يؤدي إلى استغراق العمر في السجود . وقيد في التنبيه والمهذب ونقله المصنف في شرحه عن الشافعي والأصحاب النعمة والنقمة بكونهما ظاهرتين ليخرج الباطنتين كالمعرفة وستر المساوي ، وقيدهما في أصل الروضة وفي المحرر بقوله : من حيث لا يحتسب ، أي يدري ، قال في المهمات : وفيه نظر ، وإطلاق الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين أن يتسبب فيه وأن لا ، ولهذا لم يذكره في المجموع اه . وهذا أوجه ، ولهذا أسقطه ابن المقري من أصله . ( أو رؤية مبتلي ) في بدنه أو غيره للاتباع ، رواه البيهقي . وشكر الله على سلامته . ( أو ) رؤية ( عاص ) يجهر بمعصيته كما نقله في الكفاية عن الأصحاب ، ويفسق بها كما نقله الولي العراقي عن الحاوي ، لأن المصيبة في الدين أشد منهما في الدنيا ، قال ( ص ) : اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا فعند رؤية الكافر أولى . ولو حضر المبتلي أو العاصي في ظلمة أو عند أعمى أو سمع صوتهما سامع ولم يحضرا ، فالمتجه كما قال في المهمات استحبابها أيضا . ( ويظهرها ) أي السجدة ( للعاصي ) المتجاهر بمعصيته التي يفسق بها إن لم يخف ضرره وتعبيرا له لعله يتوب ، بخلاف من لم يتجاهر بمعصيته أو لم يفسق بها بأن كانت صغيرة ولم يصر عليها فلا يسجد لرؤيته ، أو خاف منه ضررا فلا يظهرها له ، بل يخفيها كما في المجموع . وفي معنى الفاسق الكافر ، وبه صرح الروياني في البحر ، بل هو أولى بذلك . ( لا للمبتلي ) لئلا ينكسر قلبه . نعم إن كان غير معذور كمقطوع في سرقة أظهرها له ، قاله القاضي والفوراني وغيرهما ، وقيده في المهمات بما إذا لم يعلم توبته ، وإلا فيسرها ويظهرها أيضا لحصول نعمة أو اندفاع نقمة كما في المجموع . قال ابن يونس : وعندي أنه لا يظهرها لتجدد ثروة بحضرة فقير لئلا ينكسر قلبه . قال في المهمات : وهو حسن . فرع : هل يظهرها للفاسق المجاهر المبتلى في بدنه بما هو معذور فيه يحتمل الاظهار لأنه أحق بالزجر والاخفاء لئلا يفهم أنه على الابتلاء فينكسر قلبه ؟ ويحتمل أنه يظهر ويبين السبب وهو الفسق ، وهذا هو الظاهر ، وإن قال الولي العراقي : لم أر فيه نقلا . ولو شاركه في ذلك البلاء أو العصيان فهل يسجد ؟ قال الولي العراقي : لم أر من تعرض له ، وظاهر إطلاقهم يقتضي السجود ، والمعنى يقتضي عدمه ، فقد يستثنى حينئذ اه . والأولى أن يقال : إن كان ذلك البلاء من غير نوع بلائه أو منه وهو زائد ، أو كان ذلك الفسق من غير نوع فسقه أو منه وهو أزيد ، سجد وإلا فلا .