عليه . ( والمذهب بطلان ما مضى من اعتكافهما المتتابع ) فلا بد من استئنافه لأن ذلك أشد وأقبح من الخروج من المسجد بلا عذر ، وهو يقطع التتابع كما سيأتي . والثاني : لا يبطل في المسألتين فيبنيان ، أما في الردة فترغيبا في الاسلام ، وأما في السكر فإلحاقا بالنوم . والثالث وهو المنصوص : يبني المرتد لأنه لا يمنع من المسجد ، ولهذا تجوز استتابته فيه ، ولا يبني السكران لأنه يمنع منه للآية . والرابع : يبني السكران دون المرتد لأن السكر كالنوم والردة تنافي العبادة . تنبيه : المراد بالبطلان عدم البناء عليه لا حبوطه بالكلية ، ولهذا قال الشارح : من حيث التتابع . وهذا في السكران ، وأما المرتد فقد نص الشافعي على أن الردة لا تحبط الثواب إن لم تتصل بالموت وإن اتصلت به فهي محبطة للعمل بنص القرآن . فإن قيل : ثني المصنف الضمير في اعتكافهما ، والأولى إفراده لأن المعطوف هنا بأو ، وقد أتى به بعد ذلك مفردا حيث عبر بقوله : إن لم يخرج ؟ أجيب بأن المعطوف ب أو هو الفعل ، والضمير ليس عائدا عليه ، وإنما هو عائد على المرتد والسكران المفهومين من لفظ الفعل ، وقد تقدم ما يدل عليهما فصح عود الضمير عليهما . ( ولو طرأ جنون أو إغماء ) على المعتكف ، ( لم يبطل ما مضى ) من اعتكافه المتتابع ، ( إن لم يخرج ) - بالبناء للمفعول - من المسجد ، لأنه معذور بما عرض له ، فإن أخرج من تعذر ضبطه في المسجد لم يبطل أيضا كما لو حمل العاقل مكرها ، وكذا إن أمكن بمشقة على الصحيح فهو كالمريض ، فكان ينبغي ترك التقييد بعد الخروج لاستواء حكمهما . أما لو طرأ ذلك بسبب لا يعذر فيه كالسكر فإنه ينقطع اعتكافه كما نقله في الكفاية عن البندنيجي في الجنون ، وبحثه الأذرعي في الاغماء . ( ويحسب زمن الاغماء من الاعتكاف ) المتتابع كما في الصائم إذا أغمي عليه بعض النهار ، ( دون ) زمن ( الجنون ) فلا يحسب منه لأن العبادة البدنية لا تصح منه . ( أو ) طرأ ( الحيض ) أو النفاس على معتكفه ، ( وجب ) عليها ( الخروج ) من المسجد لتحريم المكث عليها ، ( وكذا الجنابة ) بما لا يبطل الاعتكاف كالاحتلام ( إذا ) طرأ على المعتكف ، و ( تعذر ) عليه ( الغسل في المسجد ) فيجب عليه الخروج منه لحرمة مكثه فيه . ولو احتاج إلى التيمم لفقد الماء أو غيره ، فالظاهر كما بحثه بعض المتأخرين وجوب الخروج له مع إمكانه في المسجد بغير ترابه ، لأنه يتضمن لبثا إلى إكمال التيمم ، فإن أمكنه أن يتيمم مارا من غير مكث ولا تردد لم يجب الخروج لأن المرور لا يحرم على الجنب . ( فلو أمكنه ) الغسل فيه بلا مكث ( جاز ) له ( الخروج ، ولا يلزمه ) الخروج لأجل الغسل ، بل له فعله في المسجد مراعاة للتتابع . نعم إن كان مستجمرا بالحجر ونحوه وجب عليه الخروج ، ولا يجوز إزالة النجاسة في المسجد . وكذا يجب عليه الخروج إذا كان يحصل بالغسالة ضرر للمسجد أو للمصلين كما قال ذلك بعض المتأخرين ، ويلزمه أن يبادر بالغسل لئلا يبطل تتابع اعتكافه . ( ولا يحسب زمن الحيض ) والنفاس ( ولا ) زمن ( الجنابة ) من الاعتكاف إن اتفق المكث معها في المسجد لعذر أو غيره ، لمنافاة ما ذكر للاعتكاف . وسيأتي آخر الباب تفصيل في أن الحائض هل تبني على ما مضى من اعتكافها أو لا . وأما المستحاضة فإن أمنت التلويث لم تخرج من اعتكافها ، فإن خرجت بطل . فصل : في حكم الاعتكاف المنذور . ( إذا نذر مدة متتابعة ) كقوله : لله علي اعتكاف عشرة أيام متتابعة ، ( لزمه ) التتابع فيها إن صرح به لفظا ، لأنه وصف مقصود لما فيه من المبادرة إلى الباقي عقب الاتيان ببعضه . ولا يلزمه في هذه الأيام اعتكاف الليالي المتخللة بينها إلا أن ينويها فتلزمه لأنها لا تدخل في مسمى الأيام ، ولو نذر بلفظه التفريق لم يلزمه وجاز له التتابع على الأصح . فإن قيل : إذا نذر في الصوم التتابع أو التفريق لزمه ، فهلا كان هنا كذلك ؟ أجيب بأن الصوم يجب فيه التفريق في حالة ، وهي صوم التمتع ، فكان مطلوبا فيه التفريق ، بخلاف الاعتكاف لم يطلب فيه