نام کتاب : كتاب الأم نویسنده : الإمام الشافعي جلد : 1 صفحه : 10
يقدمون إليه واحدا واحدا ، وكل من تقدم منهم قطع رأسه . كل ذلك والشافعي يدع ربه بدعائه المشهور عنه " اللهم يا لطيف أسألك اللطف فيما جرت به المقادير " يكرره مرارا . ولما جاء دوره حملوه إلى الخليفة وهو مثقل بالحديد ، فرمى من بحضرة الخليفة بأبصارهم إليه . فقال الشافعي : السلام عليك يا أمير المؤمنين وبركاته ولم يقل " رحمة الله " . فقال الرشيد : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، بدأت بسنة لم تؤمر بإقامتها ، ورددنا عليك فريضة قامت بذاتها ، ومن العجب أن تتكلم في مجلسي بغير أمري . فقال الشافعي : إن الله تعالى قال في كتابه العزيز ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) وهو الذي إذا وعد وفى ، فقد مكنك في أرضه وأمنني بعد خوفي حيت رددت على السلاة بقولك " وعليك رحمة الله " فقد شملتني رحمة الله بفضلك يا أمير المؤمنين . فقال الرشيد : وما عذرك من بعد ما ظهر أن صاحبك ( يريد عبد الله بن الحسن ) طغى علينا وبغى واتبعه الأرذلون وكنت أنت الرئيس عليهم . فقال الشافعي : أما وقد استنطقتني يا أمير المؤمنين فسأتكلم بالعدل والانصاف ، لكن الكلام مع ثقل الحديد صعب ، فإن جدت علي بفكه عن قدمي جثيت على ركبتي كسيرة آبائي عند آبائك وأفصحت عن نفسي ، وإن كانت الأخرى فيدك العليا ويدي السفلى والله غني حميد فالتفت الرشيد إلى غلامه " سراج " وقال له : حل عنه فأخذ سراج ما في قدميه من الحديد فجثى الشافعي على ركبتيه وقال ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) حاشا لله أن أكون ذلك الرجل ، لقد أفك المبلغ فيما بلغك به ، إن لي حرمة الاسلام وذمة النسب ، وكفى بهما وسيلة ، وأنت أحق من أخذ بأدب كتاب الله ، أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذاب عن دينه ، المحامي عن ملته . فتهلل وجه الرشيد ثم قال : ليفرج روعك فإنا نراعي حق قرابتك وعلمك ثم أمره بالقعود فقعد . وقال الرشيد : كيف علمك ؟ يا شافعي بكتاب الله عز وجل ؟ فإنه أولى الأشياء أن يبتدأ به . فقال الشافعي : عن أي كتاب من كتب الله تعالى تسألني يا أمير المؤمنين ؟ فإن الله قد أنزل كتبا كثيرة . قال الرشيد : أحسنت . لكن إنما سألت عن كتاب الله تعالى المنزل على ابن عمي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال الشافعي : إن علوم القرآن كثيرة ، فهل تسألني عن محكمه أو متشابهه أو عن تقديمه أو تأخيره أو عن ناسخه أو منسوخه ، وصار يعرض عليه علوم القرآن ما أعجب به هارون الرشيد والحاضرون وأدهشهم . فغير الرشيد سؤاله إلى العلوم المتنوعة من فلك وطب وفراسة وما إليها ، فكان الشافعي يجيب على كل سؤال ما يسر الخليفة . ثم قال الرشيد : عظني يا شافعي ، فأخذ الشافعي يعظ الرشيد وعظا تصعدت له القلوب حتى اشتد بكاء الرشيد ، فهاج الحاضرون فنظر إليهم الشافعي غضبا واستمر في وعظه . وقد حصلت
10
نام کتاب : كتاب الأم نویسنده : الإمام الشافعي جلد : 1 صفحه : 10