نقل أسباب تسيير أبي ذر لنفس العلة ، لكن الطبري ذكر أخبار العاذرين لمعاوية بحذافيرها ، كأنه أراد ترجيح كفتهم . فلماذا فعل ذلك ؟ وهل يمكن بعد وقوفنا على هذه النصوص أن نطمئن بمبررات الطبري وغيره في عدم نقلهم لأسباب مقتل عثمان ؟ ! ! نعم إن تعارض أهداف تلك النصوص جعلتنا نشكك بكلام الطبري وغيره ، وأثارت فينا روح الاستطلاع والبحث عن وجود أسباب أخر غير ما تناقله المؤرخون . إذ إن الثورة بنظرنا لم تكن مالية بحتة - وإن كان لها الدور الكبير - بل كانت تستبطن أمرا دينيا ، وحتى قضية إيثاره لأقربائه وعشيرته لم تكن لأجل كونهم أقاربه بل لعدم نزاهة أولئك المقربين وتخوف الصحابة من وقوع مستقبل الشريعة بيد هؤلاء الطلقاء الفاسقين البعيدين عن روح الإسلام وأهدافه . قال ابن سعد : ولي عثمان اثنتي عشرة سنة ، فلم ينقم عليه الناس مدة ست سنين ، بل كان أحب إلى قريش من عمر ، لأن عمر كان شديدا عليهم ، فلما ولي عثمان لأن لهم ووصلهم ثم توانى في أمرهم ، واستعمل أقاربه وأهل بيته في الست الأواخر وأعطاهم المال متأولا في ذلك الصلة التي أمر الله بها ، وقال : إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما كان لهما ، وإني أخذته فقسمته في أقربائي ، فأنكر عليه ذلك [1] . نعم ، إن تقريبه لأقاربه لم يكن لأجل كونهم أقاربه بل لعدم نزاهتهم ودعوتهم الناس إلى أمور لم ينزل الله بها من سلطان ، وإليك اعتراضات بعض الصحابة ومنها يستشم موارد النقمة على عثمان وإنها لم تكن مالية بحتة . وأخيرا سنذكر رأيا آخر في سبب مقتل عثمان لم يطرح لحد الآن .
[1] الطبقات الكبرى 3 : 64 وعنه في الصواعق المحرقة : ص 115 - 116 .