الشدة والصرامة التي مارسها عثمان ضد كبار الصحابة وفقهائهم وعبادهم وزهادهم ومتقيهم ، إنما جاءت لكونهم خالفوه في قضية قراءة القرآن - كما لوحظ في قضية ابن مسعود وكسر أضلاعه - ، أو في كيفية توزيع الأموال والفئ - كما هو المشاهد مع أبي ذر وغيره - ، أو لأن أحدهم خالف فتوى كعب الأحبار الموافقة لرأي الخليفة - كما جاء في رد أبي ذر لكعب وقوله له : يا ابن اليهودية ما أنت وما . . . [1] - ، أو لأن أحدهم لا يرى فضلا لبني العاص ، ناهيك عمن ينال منهم أو يروي حديثا ضدهم . . . وما إلى ذلك الكثير . وبعد هذا . . لا نجد أحدا يشك بسياسة العنف التي مارسها عثمان ضد عظماء الصحابة وفضلائهم دفاعا عن آرائه ، فإذ ثبت ذلك . . نتساءل : لماذا لا نرى أية بادرة عنف من الخليفة تجاه مخالفيه في مسألة الوضوء ، على الرغم من ادعائه أن وضوءه هو وضوء رسول الله ( ص ) ؟ ! فلو صح . . للزم أن يكون وضوء المسلمين هو وضوء الخليفة ، وبذلك لاندحر الناس بوضوئهم ، ولكفى المسلمون الخليفة مؤنة الصراع معهم ، ولما تكلف ما تكلف . ويزيد الاستنتاج وضوحا ما نقل عن الخليفة من مراقبته لجزئيات الوضع - فضلا عن كلياته - ومعاقبة الظالمين والمنحرفين . . ومن ذلك ، أنه : كان أول منكر ظهر بالمدينة حين غصت الدنيا بطيران الحمام والرمي على الجلاهقات - وهي قوس البندق - واستعمل عليها عثمان رجلا من بني ليث سنة ثمان من خلافته ، فقص الطيور وكسر الجلاهقات [2] . وذات مرة . . استخف رجل بالعباس بن عبد المطلب ، فضربه عثمان ،
[1] انظر : تاريخ الطبري 4 : 284 ، الكامل في التاريخ 3 : 115 ، وشرح النهج لابن أبي ا لحديد 3 : 54 . [2] تاريخ الطبري 4 : 398 ، الكامل في التاريخ 3 : 181 ، البداية والنهاية 7 : 224 ، المنتظم 4 : 338 .