الرواة المكثرون - بدافع الحرص على الدين - لتبيان وضوء النبي ، كما فعلوا ذلك من قبل مع مانعي الزكاة . . ولأسقطوا به التكليف عن الخليفة في مواجهتهم . فقد وردت روايات كثيرة عن كبار الصحابة في ذكر عقوبة مانع الزكاة وحرمة منعه ، منهم : علي بن أبي طالب ، أبو هريرة الدوسي ، عبد الله بن مسعود ، جابر بن عبد الله الأنصاري ، أبو ذر الغفاري ، أنس بن مالك ، وغيرهم من مشاهير الصحابة . . وهي الحالة الطبيعية المتبعة في جميع الديانات والمذاهب على مر العصور ، وسارت عليها سيرة المسلمين في شتى مجالات الدين ، وبالخصوص في أبواب الفقه ومسائله الشرعية ، فلماذا نجد شذوذا عن هذه القاعدة المتعارف عليها هنا ؟ . . ألا تجعلنا نتخذ موقف الشك والريبة وعدم الاطمئنان بمرويات الخليفة وأنصاره ، وتدعونا بدافع الحرص والأمانة للوصول إلى حقيقة الحال . فنقول : لو كان غيره البادئ بالخلاف ، لكان بوسع الخليفة بما له من قوة تشريعية وتنفيذية أن يحسم النزاع بأحد طرق ثلاث : الأولى : استعمال أسلوب الردع الحاسم . فقد ثبت بين المسلمين أن من حق الإمام : ردع المخالفين ، وتأديب الخاطئين ، وتعزير المنحرفين بما يراه صلاحا في الدنيا والدين . الثانية : طلب النصرة . بأن يستنصر المسلمين استنصارا عاما ليقضي على ما أدخله أولئك في الدين ، وإعلان ذلك على منبر النبوة ، كما فعل ذلك أبو بكر بأهل الردة ومدعي النبوة ، وأن لا يختص بجماعات صغيرة في الاشهاد ، أي يلزم على الخليفة الاستفادة من الفهم العرفي العام عند المسلمين لنبذ البدعة . الثالثة : المطالبة بالدليل ( المحاجة ) . بأن يطالب الخليفة ( الناس ) بأدلتهم ، ليبين بذلك زيف ادعائهم ، لأنها - على فرض كونها بدعة - سيعوزها الدليل ويقف الجميع على عدم صلتها بالدين وبعدها عن جذور الشريعة ، وبذلك سوف يعيا أربابها أمام ما يدعيه المسلمون