وهذا النص يوقف القارئ على أن أصول سياسة الحكام كانت مبتنية على مخالفة علي في نهجه وفقهه ، وإن في قول سفيان ( يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى المسح ) إشارة إلى أن السنة الحكومية هي القول بالمسح على الخفين وإخفاء بسم الله الرحمن الرحيم و . . . وكل هذه القضايا مخالفة لفقه علي بن أبي طالب ونهجه ، وبل إنها لتؤكد على إطاعة السلطان برا كان أم فاجرا ! كانت هذه هي سياسة المنصور ، وتراها مبتنية على الترهيب والترغيب ، والمطالع في هذا النص يقف على دهاء المنصور وكيف كان يتعامل مع كل فرد حسب نفسيته . وننقل نصا آخر يوضح طريقة اختباره لأعدائه وطرق تجسسه ، وإن نقل هذه النصوص يعطي للمطالع صورة قد تكون قريبة من الواقع . طلب المنصور عقبة بن مسلم بن نافع من الأزد يوما وأناط به مهمة ، فقال له : إني لأرى لك همة وموضعا ، وإني أريدك لأمر أنا معني به . قال : أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين ؟ قال : فأخف شخصك وائتني في يوم كذا ، فأتيته . . فقال : إن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيدا لملكنا ، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم ، ويرسلون إليهم بصدقات وألطاف ، فأخرج بكسى وألطاف حتى تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه عن أهل القرية ، ثم تسير ناحيتهم ، فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب ، وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك ، وكنت على حذر منهم ، فاشخص حتى تلقى عبد الله بن الحسن متخشعا ، فإن جبهك - وهو فاعل - فاصبر ، وعاوده أبدا حتى يأنس بك ، فإذا ظهر لك ما قبله فاعجل علي . ففعل ذلك ، وفعل به حتى آنس عبد الله بناحيته ، فقال له عقبة : الجواب ؟ فقال : أما الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد ، ولكن أنت كتابي إليهم فاقرأهم السلام ، وأخبرهم إن ابني خارج لوقت كذا وكذا ؟ فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر فأخبره الخبر [1] . وقد امتحن المنصور الصادق وعبد الله بن الحسن وابنيه محمدا وإبراهيم
[1] انظر : مقاتل الطالبيين : ص 211 - 212 ، والطبري وغيره من كتب المؤرخين .