الحديث عن ابن عمر في قوله تعالى يوم تبيض وجوه قال : فأما الذين ابيضت وجوههم فهم أهل السنة ، وأما الذين اسودت وجوههم فهم أهل البدعة . ومهما يكن فإن هذا الموضوع متشعب طويل قد ألجأنا منهج البحث في الإشارة إلى شئ منه في هذا السياق لتوضيح طرق التمويه الحكومية ، حتى يقف المطالع على الوجه الكريه للأمويين ، وكيف كانوا يتلاعبون بالأحكام ، ويحرفون الفرائض عن جهات شرائعها ، فتصير الأحكام عندهم تابعة للأهواء ، حين تركوا السنة من بغض علي ! فيقربون مناوئي علي ، ويجعلونهم مراجع للحديث والإفتاء ولزوم الجمود على آرائهم وعدم التخطي إلى غيرها ! ! فترى معاوية يبذل أربعمائة ألف درهم لسمرة بن جندب لقاء نقله ل ( رواية ) في أن الآية : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) قد نزلت في ابن ملجم [1] قاتل علي ! قال المدائني عن عصر معاوية : وظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا من مجلسهم ، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل ، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولما تدينوا بها [2] . وبعد هذا يتضح لنا كلام جعفر بن محمد الصادق بكل دقة وجلاء ، حين قال : ( أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة ؟ قلت : لا ! فقال : إن عليا لم يكن يدين الله إلا خالفته عليه الأمة إلى غيره ، إرادة لأبطال أمره . وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشئ لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم جعلوا له
[1] شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 4 : 73 . [2] شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 4 : 59 .