ببيان الأحكام للناس ، لكن السياسة الظالمة والأهواء الباطلة تمنع الأخذ منهم ، أو تمنعهم من بيانها ، فقد قال : ( بلية الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا [1] ) . وبهذا فقد عرفت أن الطابع السياسي أخذ يتفشى في الشريعة شيئا فشيئا ، وأن الأحكام صارت تخضع لأهواء الحكام ، وأن الفرائض الشرعية صارت محرفة عن جهات أشراعها ، وأن الحكام صاروا يفتون الناس بالدين الذي يريدونه أو يستخدمون من له نفوذ وعلم لأن يفتي لهم بما يريدون ، وقد مر عليك سابقا كلام ابن عباس ، وإنه كان يلعن معاوية وأتباعه لتركهم سنة رسول الله بغضا لعلي ) اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض علي [2] . أو أن قال : ) لعن الله فلانا ، إنه كان ينهى عن التلبية في هذا اليوم - يعني يوم عرفة - لأن عليا كان يلبي فيه [3] . ونقل الشيخ أبو زهرة ما جاء عن الحكم الأموي ، منها : لا بد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والافتاء ، لأنه ليس من المعقول أن يلعنوا عليا فوق المنابر ، وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه ، وينقلون فتاواه وأقواله ، وخصوصا ما يتصل بأساس الحكم الإسلامي [4] . ونحن نقول هنا بما مر ، كيف بالحكومة تترك الناس يمارسون دورهم ، وهم من مخالفي عثمان ، في حين يتصدر علي - الذي يلعنونه - مدرستهم ؟ ! وبهذا فقد عرفنا بأن لكلا الاتجاهين - الناس والخليفة - أنصارا وأتباعا في الوضوء ، يذودون عما يرتؤونه ، وبما أن السلطة قد تبنت فقه عثمان ودعت إلى
[1] الإرشاد 2 : 167 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 206 ، وعنه في البحار 46 : 288 ح 11 . [2] سنن النسائي 5 : 253 ، سنن البيهقي 5 : 113 . [3] انظر : النصائح الكافية : 11 عنهما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس . [4] انظر : تاريخ المذاهب الإسلامية ، لأبي زهرة : 285 - 286 .