مثل هذه الدراسات رقيا للمستوى الفقهي والأصولي عند المذاهب الإسلامية ، وتقريب وجهات النظر بين المسلمين وترسيخ روح الانفتاح فيهم ، ومحاولة القضاء على مختلف النزعات العاطفية وإبعادها عن مجالات البحث العلمي ، وعدم السماح لتحكيم الخلفيات الطائفية ، والرواسب الذهنية في مثل هذه البحوث العلمية النظرية . ولو اتبعنا مثل هذا الأسلوب في جميع أبواب الفقه لوصلنا إلى حقيقة الفقه الإسلامي من أيسر طرقه وأسلمها ولو وقفنا على تاريخ التشريع وملابساته ، ولاتضحت لنا خلفيات صدور بعض الأحكام وعرفنا حكم الله الواحد والذي ينشده الجميع . نرجو أن لا نكون جدليين في بحوثنا ، ومن الذين لا يهمهم معرفة الواقع بقدر ما يهمهم الانتصار لآرائهم ومذاهبهم ، ويبدو أن طرح مثل هذه الآراء بهدوء وموضوعية مع عرض مختلف وجهات النظر عند جميع المسلمين سيكون عاملا للتقريب بين المذاهب الإسلامية ، ورفعة للمستوى العلمي بينهم ، لأن الناس أعداء ما يجهلون ، وباتضاح نقاط الرأي قوة وضعفا ربما تتوقف موجة تفسيق أو تكفير الآخرين . وإن دراستنا لكيفية ( وضوء النبي ) جاء تحقيقا لهذا الهدف ، ولا نبغي من ورائه إلا الجانب العلمي ، وتوسيع أفق التفاهم البناء بين علماء المسلمين ، وهو نقاش علمي نزيه ، تطرح فيه الآراء بأناة وموضوعية ، ولم يقصد به التشكيك بفقه مذهب أو المساس بعقيدة طائفة ، بل إنها نظرية علمية قد توصلنا إليها وفق شواهد تاريخية وفقهية ، ولا ندعي عدم الخطأ فيها مع اعتقادنا بصحتها . والمأمول من إخواننا أن يتعاملوا مع الأطروحة كتعاملنا معها ، وأن يجعلوا لصحة المدعى نصيبا بإزاء ما يعتقدون فيها من الخطأ ، وأن لا يرمونا بالبهتان أو التقول قبل مراجعتهم المصادر . علما بأن محاكمة النص أو نقد كلام الصحابي لا يعني - بنظرنا - تفسيقه أو تكفيره ، وخصوصا لو عضد بما يؤيده من القرآن أو السنة الشريفة أو أكدته النصوص التاريخية والأحداث السياسية الحاكمة وقت صدور النص ، وكذا الأمر