وعليه فإن ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأضرابهم كانوا فقهاء الدولة منذ أواخر العهد الأموي وحتى زمن أبي العباس السفاح وشطرا من خلافة المنصور ، وإن المنصور بتقريبه مالكا وإعطائه المكانة العليا ، وتوحيد الحديث والفقه على يده قد قلل من نفوذ الآخرين ! ومنذ أواخر عهد المنصور وحتى أواخر عهد الرشيد تمكنت الحكومة من السيطرة على الاتجاهين : اتجاه الرأي واتجاه الأثر ، وذلك بتقريبهم أبا يوسف ومحمد ابن الحسن الشيباني في بغداد وتقليدهم منصب القضاء ، ووجود مالك في المدينة من قبل في ركابهم . رأي آخر وبعد هذا العرض السريع الذي بينا فيه بعض الرؤى - نحاول أن نطرح رؤية أخرى هي في سبب تسمية المذهب الشيعي الاثني عشري بمذهب جعفر بن محمد الصادق . ذلك أن ما قيل بأن الإمام عاش بين فترة الشيخوخة الأموية والطفولة العباسية ، وإن هذه الفترة كانت مواتية لنشر المذاهب ، لم تكن السبب الوحيد في ذلك بل هناك أمور أخر ، منها : دور الحكام في الأحكام الشرعية واحتواؤهم للفقهاء والمحدثين والقراء وسوهم . فإن الصادق لما رأى دورهم في تدوين الحديث ثم تأصيل المذاهب وتقريب المحدثين والقراء والشعراء ، والاهتمام بالحركة العلمية ، كان واضحا لديه أن هذه المبادرة الحكومية هي ثورة ثقافية ضد الأصول العقائدية والفقهية والتاريخية للمسلمين ، فالإمام أبو حنيفة يبث أفكاره في الكوفة مركز العلويين ، وبين أفكاره وما يطرحه من رؤي ما يخالف الصريح من كلام الرسول . والإمام مالك يسيطر على مركز الدعوة الإسلامية ويفتي الناس بالمدينة . والليث بن سعد يفتي الناس بمصر . وقيل إن أهل مصر كانوا ينتقصون من عثمان ، فنشأ فيهم الليث فحدثهم بفضائل عثمان . والأوزاعي يفتي الناس بالشام وقد عرف انحرافه عن أهل البيت ، فكان في كل مصر فقه خاص واعتقاد خاص يبتعد في غالبه عن