المسجد كان لأجل جنابتهم وعدم اغتسالهم منها ، فإن الجنب ممنوع عن الدخول فيه 1 . وفيه : أولا : إن هذا تساعده نسبة النجاسة إليهم الظاهرة في كونهم كذلك بالذات . وثانيا : لو كان المراد عدم دخولهم المسجد للجنابة فهذا غير مختص بالكفار . وثالثا : أنه ربما يفرض كافر لا يكون جنبا كمن كان قد بلغ بالانبات أو السن ، حد التكليف جديدا ولم يمض من بلوغه كثير زمان وتأخر احتلامه مع أنه في هذه الفترة أيضا لا يجوز له دخول المسجد ولم يصدر منه لا قبل التكليف ولا بعده ما يوجب الجنابة وضعا . وعلى هذا فالآية الكريمة تدل بظاهرها على أنهم أعيان نجسة 2 وذوات قذرة شرعية بلا فرق بين أفرادهم بحيث لو فرض مورد على خلاف ذلك فهو استثناء من الحكم الكلي العام ، ولو كان المراد من النجس هو القذارة أو الخباثة
1 . ممن قال بذلك وجنح إليه هو قتادة فإنه على ما حكاه الطبرسي قال : سماهم نجسا لأنهم يجنبون ولا يغتسلون ويحدثون ولا يتوضؤن فمنعوا من دخوله المسجد لأن الجنب لا يجوز له دخول المسجد . 2 . أقول : لا يقال : إن المراد من النجس النجاسة المعنوية الموجبة للمنع عن دخول المسجد الحرام مثل القذارة المعنوية الحاصلة من الجنابة أو الحيض المانعة من الدخول فيه فالنجاسة هنا هي القذارة القائمة بالنفس أعني الكفر وهي كناية عن خبث اعتقادهم فإن الكفر قذارة باطنية و نجاسة معنوية ودخول الكافر في المسجد لهتك حرمته . لأنا نقول : ظاهر الآية نجاسة البدن أعني الهيكل الخاص لا نجاسة روحه ونفسه وصرفها إلى المنقصة في النفس والقذارة الباطنة تأويل لا دليل عليه قال ابن زهرة في الغنية : وقول المخالف : المراد بذلك نجاسة الحكم ، غير معتمد لأن اطلاق لفظ النجاسة في الشريعة تقتضي كظاهره نجاسة العين حقيقة وحمله على الحكم مجاز واللفظ بالحقيقة أولى من المجاز ولأنا نحمل اللفظ على الأمرين جميعا لأنه لا تنافي بينهما .