وبعبارة أخرى كما أن المجوس القائلين بفاعلين فاعل الخير المسمى عندهم ب ( يزدان ) وفاعل الشر المسمى عندهم ب ( اهريمن ) والمعتقدين بالنور والظلمة مشركون ، كذلك من اتخذ إلها ومعبودا آخر سوى الله يكون مشركا ، و كما يتحقق الشرك بالقول بتعدد واجب الوجود ، كذلك يتحقق بانكار الله تعالى و جعل ما كان له سبحانه لغيره . وإن أبيت مع ذلك كله عن قبول كون الثاني من الشرك والتزمت بكونه كفرا في الحقيقة لا شركا فالذي يسهل الخطب هو استعمال الشرك في الكفر والكفر في الشرك في القرآن الكريم ، والتعبير عن كل واحد منهما بالآخر 1 من باب استعمال اللفظ الموضوع للخاص في العام ، وبالعكس ، وفيما نحن فيه استعمل الشرك في الكفر ، والقرينة القطعية قائمة على إرادة الكفر من الشرك ، و هي عدم مناسبة منع المشرك المصطلح أعني من اتخذ شريكا لله سبحانه عن دخول المسجد مع تجويز ذلك لمن أنكر الله تعالى ونفاه من أصله وجحد مبدأ الكون رأسا . وبعبارة أخرى لا ملائمة بين منع المشرك ، وبين إباحته بالنسبة إلى المنكر . ومما يشهد لاطلاق الشرك على الكفر ما روي عن الفضل : دخل على أبي
1 . فترى أن الله تعالى يقول : " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار " سورة المائدة الآية 75 ، فقد أطلق الشرك على ما هو كفر اصطلاحا وعبر عنه بالكفر أولا في نفس الآية ، وقال تعالى : " لقد كفر قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم " سورة المائدة الآية 76 . ترى أنه أطلق الكفر على القول بأن الله ثالث ثلاثة الذي هو شرك صريح ، وهذه الآية مشعرة بأن الله عند اليهود ثاني اثنين ، قال في الجواهر : ولا خفاء في أن القول بكون الله ثاني اثنين أو ثالث شرك محض و مع ذلك يقول الله تعالى : " ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم " انتهى .