نام کتاب : موسوعة طبقات الفقهاء ( المقدمة ) نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 92
البلاد ، وتفرقت الصحابة في الأقطار ، وكثرت الفتوح ، ومات معظم الصحابة ، وتفرّق أصحابهم وأتباعهم ، وقل الضبط ، احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة ، ولعمري إنّها الأصل ، فإنّ الخاطر يغفل ، والذهن يغيب ، والذكر يهمل ، والقلم يحفظ ولا ينسى . فانتهى الأمر إلى زمن جماعة من الأئمّة مثل عبد الملك بن جريج الأُموي ( 80 - 150 ه ) ومالك بن أنس ( 95 - 179 ه ) وغيرهما ممّن كان في عصرهما فدوّنوا الحديث حتى قيل : إنّ أوّل ما صنّف في الإسلام كتاب ابن جريج ، وقيل : موطأ مالك ، وقيل : إنّ أوّل من صنّف وبوّب ، الربيع بن صبيح بالبصرة . [1] قال جلال الدين السيوطي : أخرج الهروي في ذم الكلام من طريق يحيى بن سعيد ، عن عبد اللّه بن دينار ، قال : لم يكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الحديث ، إنّما كانوا يؤدّونها لفظاً ، ويأخذونها حفظاً ، إلاّ كتاب الصدقات والشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء حتى خيف عليه الدروس ، وأسرع في العلماء الموت ، فأمر عمر بن عبد العزيز ، أبا بكر الحزمي فيما كتب إليه : ان انظر ما كان من سنّة أو حديث عمر فاكتبه . وقال ابن حجر : اعلم أنّ آثار النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن في عصر الصحابة وكبار تابعيهم مدونة في الجوامع ومرتّبة لأمرين : أحدهما : انّهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك ، كما ثبت في « صحيح مسلم » خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم . والثاني : سعة حفظهم وسيلان أذهانهم ، ولأنّ أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ، ثمّ حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار ، لما انتشر العلماء في الأمصار ، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومفكري الأقدار .